صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي رئيس التحرير
تقرير اللجنة الأمنية العليا يكشف أبعاد صراع ممنهج بين حزب الإصلاح واللواء 35 مدرع بقيادة العميد عدنان الحمادي
في أعقاب صدور تقرير اللجنة الأمنية العليا، تبرز الحاجة الماسة لإعادة قراءة المشهد السياسي والعسكري في اليمن بفهم معمّق، يتجاوز الخطابات السطحية، ليكشف طبيعة صراع غير تقليدي وخطير خاضه حزب الإصلاح ضد العميد عدنان الحمادي واللواء 35 مدرع.
هذا الصراع، كما كشفت اللجنة الأمنية بوضوح، لم يكن نزاعًا عابرًا أو تكتيكيًا مؤقتًا، بل كان مسارًا ممنهجًا ومنظمًا، استهدف بشكل مباشر البنية العسكرية للدولة اليمنية، وأراد تقويض مشروعها الوطني. ارتكز هذا الصراع على محورين رئيسيين: تصفية العميد الحمادي، وتفكيك اللواء 35 مدرع، اللذين شكلا معًا خط الدفاع الأول عن مشروع الدولة في المناطق الجنوبية، وخاصة في مدينة التربة.
بعد السيطرة على التربة، تحولت المدينة إلى مركز عمليات لوجستية وأمنية يخدم مشروع اغتيالات منظم، بقيادة القيادي في حزب الإصلاح أمجد خالد، الذي أشرفت عليه تنسيقات غير معلنة مع الحوثيين، بحسب ما كشف عنه تقرير اللجنة. هذا التنسيق يكشف تقاطعًا موضوعيًا بين مشروعين متناقضين ظاهريًا، إلا أنهما يلتقيان في هدف واحد هو تفكيك الدولة وضرب مراكز السيادة.
وليس غريبًا أن تكون عدن اليوم ساحة استهداف استراتيجي، ليس بوصفها مدينة محررة فحسب، بل كرأس جسر لضرب ما تبقى من مشروع الدولة خارج نفوذ الإخوان المسلمين، حيث باتت تستهدف ليس فقط الأفراد، بل هوية الدولة ومؤسساتها.
تشكّل شخصية العميد عدنان الحمادي مع المحافظ السابق لتعز، أمين أحمد محمود، رمزًا لفكرة الدولة ومفهوم السيادة، حيث ربطا المصير الوطني بين تعز وعدن، بعيدًا عن منطق الجماعات والتقسيمات التنظيمية الضيقة. وهذا الربط الوطني بين مدينتين حيويتين وضعهما تلقائيًا في موقع معاداة مع المشروع الفوضوي المشترك الذي تتقاسمه قوى الإصلاح والحوثيين، مشروع امتد من التربة إلى عمق عدن.
وحتى محاولة اغتيال المحافظ السابق لتعز لم تكن إلا امتدادًا منطقيًا لهذا المسار، الذي يسعى إلى ضرب كل مَن يمثل الدولة خارج سيطرة حزب الإصلاح، ودعم مشروع التفكيك والتمزيق الذي يهدد وحدة اليمن.
تقرير اللجنة الأمنية العليا لم يكتف بالكشف عن حقائق عميقة ومؤلمة، بل فتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول مستقبل الدولة اليمنية ومشروعها الوطني. الصراع الممنهج الذي استهدف العميد الحمادي واللواء 35 مدرع، وأدى إلى تفكيكهم، هو مؤشر على وجود مشروع أكبر يسعى إلى الهيمنة على مفاصل الدولة والسيطرة على مؤسساتها الأمنية والعسكرية.
وهذا المشروع لا يقف عند حد السيطرة على مناطق جغرافية، بل يمتد إلى محاولة فرض واقع جديد يقوم على الاغتيالات والتصفية السياسية، بالتوازي مع تنسيق غير معلن مع الحوثيين، الذين يمثلون الطرف الآخر في الصراع، والذي يستهدف هو الآخر ضرب الدولة من الداخل.
إنّ ما كشف عنه تقرير اللجنة الأمنية العليا يضع الجميع أمام مسؤوليات كبيرة؛ فالتركيز على استعادة مؤسسات الدولة وفرض هيبة القانون يجب أن يكون أولوية لكل القوى الوطنية، بعيدًا عن التلاعب بمصير الدولة من خلال صراعات تنظيمية وفئوية. التربة، عدن، وتعز، ليست مجرد مدن يُدار فيها الصراع على النفوذ، بل هي مفاصل حاسمة في بناء الدولة اليمنية، وأي اختراق لها هو اختراق لمشروع الدولة بأكمله.
إن الحل يكمن في وضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار، والعمل على توحيد الجهود لاستعادة سيادة الدولة، ووقف مسلسل الاغتيالات والتصفيات التي لا تخدم إلا أعداء الوطن.