صدى الواقع اليمني – كتب: محمد السفياني

كان الوضع موحشًا وفضيعًا، وكانت متارس الحرب في كل جبل ووادٍ، كيف لا، وخلال عدة أشهر ذهب ثلاثة رؤساء لليمن ضحية اغتيال، دون أن يعلم الشعب لماذا؟ ومن أجل ماذا؟ كانت الألغام الثورية والثأرية في كل طريق، وفي معظم الطرق والقرى والأرياف، وكانت الدبابات والمدفعية تحرّكها أموال “اليمين الأمريكي” حينها.

كان الشمال يشكو من انتشار “الجبهات الثورية” المدعومة ليبيًّا وسوفييتيًّا، في مواجهة “اليمين الإسلامي” المدعوم من أمريكا والناتو. وكان يُدار الحكم من قبل رئيس مجلس الشعب أو الشورى، القاضي عبد الكريم العرشي، وفقًا للدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية، لأنها فترة فراغ دستوري بعد مقتل الغشمي آنذاك، لفترة 60 يومًا.

لكن في اليوم الحادي والأربعين تقريبًا، كان العرشي وعدد من المشايخ والساسة يرون أن المشاكل والصراعات في اليمن صعبة، وتحتاج إلى قائد عسكري يجمع حوله الناس، فاجتمع القادة العسكريون، وعُرض الأمر على المقدم عبد الله الشيبة، الذي كان رئيس هيئة الأركان، فرفض.

كان الجيش الشعبي في صراع مع “الجبهات” في المناطق والأرياف، وكانت هيئة إذاعة “البي بي سي” تنشر عناوين أخبارها وتحليلاتها عن اليمن، وكذلك “صوت واشنطن”، وفي الطرف الآخر “صوت موسكو” والإذاعات الثورية، ومنها إذاعة عدن، التي كانت تذيع الأخبار الثورية ضد الرأسمالية والإمبريالية.

حينها اقترح الرائد طيار محمد ظيف الله، قائد القوات الجوية، أن يكون الرائد علي عبد الله صالح قائدًا عامًا للقوات المسلحة، وتم تأييد هذا المقترح من القيادات العسكرية بالإجماع، ثم ذهب إلى مجلس الشعب ورشّح نفسه رئيسًا للجمهورية.

لم يكن متحزّمًا بلقب القبيلة، ولا بدبابة، ولا بجنبة معطوفة مثل القضاة أو السادة، ولا بجنبة حاشدية أو وكيلية، كان يتكئ على أصوات مجلس الشعب وعلى مسيرات التأييد الجماهيرية، وبدأ مسار الوحدة والتنمية، وكان له ذلك النجاح المتميز، ثم تبنّى الديمقراطية والتعددية السياسية، وشعاره الدائم: (ليس أسوأ من الديمقراطية إلا الدكتاتورية).

لقد أنهى حقبة الشرعيات الثورية الانقلابية بدستور الجمهورية اليمنية، وانتخابات رئاسية، إذ لا يوجد هناك رئيس في العالم يقبل بمرشّح ينافسه من حزب معارض في انتخابات رئاسية حقيقية، حتى في الدول المتقدمة، دون أن يكون ذلك بضغط من الشعب، إلا رئيس المؤتمر الشعبي العام، رغم أن بيده أن يبقى يحكم لوحده، لكنه كان ينظر إلى الشعب على أنهم أسرته وقبيلته، وكانت الديمقراطية تجري في دمه.

وفي كل المنعطفات، كان يرفض سفك الدماء، لذا كان يدعوهم إلى انتخابات برلمانية ومحلية وتعددية سياسية، ويدعم الصحافة الحزبية والمستقلة.

طبعًا، كان إلى جانبه كوكبة من الرجال من مختلف القوى السياسية، أسهموا في بناء اليمن، بذلوا كل البذل، وأعطوا كل العطاء.

واليوم، من تقاسموا الحكم بعد 2011م، لم يستطيعوا أن يوفّروا خدمة المياه أو الكهرباء أو أساسيات الحياة، وليس بقية الخدمات كالغاز ومشتقات النفط، التي كانت موجودة ومُوفّرة بأقل الأسعار، واليوم أسعارها بعشرات أضعاف ما كانت عليه.

تحية إعظام للمؤتمر الشعبي العام، وتحية لروح الرئيس المؤسس، وتحية لكل الشرفاء على امتداد اليمن.
سيدوم الخير في أرضي مقيمًا.
هذه شهادة على حكم المؤتمر الشعبي العام منذ البداية… فهل من مُدّكر؟؟؟

🔗 رابط مختصر:

اترك رد