صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي



لطالما راودنا الأمل، حين تشكل مجلس القيادة الرئاسي، أن اللحظة قد حانت أخيرًا، وأننا أمام فرصة حقيقية للخروج من النفق الطويل الذي دخلناه منذ سنوات. بدا المجلس وكأنه طوق نجاة، اجتمع عليه أطراف من أطياف مختلفة، برعاية إقليمية، في مشهد نادر الحدوث في اليمن. قلنا يومها: هذه لحظة فاصلة، ومجلس القيادة قد يكون القارب الذي سنعبر به إلى ضفة الدولة، إلى وحدة الصف، إلى التحرير. لكن شيئاً فشيئاً، بدأت معالم الأمل تتراجع، ومعها بدأ يذبل السؤال الكبير: هل لا تزال هناك فرصة؟

في لحظة صدق مع النفس، أقول: نعم، ما زالت هناك فرصة. ثم، على الفور، أتراجع. ليس لأنني فقدت الثقة في الشعب أو في القضية، بل لأنني أنظر في وجوه من يحملون زمام القيادة، وأتأمل ما آلت إليه الأمور، وأتذكر من يعطل المسار، ويغلق النوافذ، ويكسر البوصلة.

أتذكر رئيس مجلس القيادة، الدكتور رشاد العليمي، الذي كان من المفترض أن يكون الضامن للتوافق، والميسر للعمل الجماعي، والراعي الأول لتوحيد الصفوف. لكني أراه اليوم منغمسًا في تفاصيل لا تليق بموقعه، منشغلاً بصراعات جانبية، وتحركات أقرب إلى الإقصاء والتهميش منها إلى القيادة. بل وأحيانًا، يتصرف وكأن المجلس ملكية خاصة، لا كياناً تشاركياً جاء لقيادة مرحلة وطنية مصيرية.

منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن رئيس المجلس ليس رئيسًا للجمهورية بمفهومها الفردي، بل عضو من ضمن مجموعة قيادات، مهمته تسيير العمل الجماعي لا احتكاره. ومع ذلك، تحول الموقع تدريجيًا إلى منصب استئثار، وأصبح القرار رهينة نزعة التفرد، وتحولت الشراكة إلى عبء يُراد التخلص منه.

في وقت كنا ننتظر فيه قرارات حاسمة لتفعيل مؤسسات الدولة، وتوحيد القرار العسكري، وتحريك الجبهات، كانت الساحة تُملأ بصراعات داخلية، واجتماعات شكلية، وبيانات لا معنى لها. وكأن المطلوب فقط هو استمرار المجلس كعنوان، لا كفعل.

لا يمكن إنكار أن الفرص سنحت. الشعب مستعد، والدعم الإقليمي متوفر، والعالم لم يغلق بابه. لكن من داخل المجلس ذاته، من حيث كنا ننتظر الخلاص، خرج من يعطل القرار، ويقوض التوافق، ويستهلك الزمن في حسابات شخصية، أو مناطقية، أو حزبية ضيقة.

للأسف، لم نعد أمام أزمة إدارة فقط، بل أزمة إرادة. هناك من لا يريد أن يتحرك شيء، وكأن بقاء الوضع الراهن بكل علله هو الخيار الأفضل. وهناك من يرى في تفكيك المجلس سبيلاً للسيطرة، لا خطرًا على الدولة. وهناك من فقد البوصلة تمامًا، وتحول إلى جزء من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل.

هذا كله يجعلنا نعود لنسأل بمرارة: ما شكل هذه القيادة؟ وهل يعقل أن مجلسًا لا يستطيع إدارة نفسه، سيحرر وطنًا محتلًا؟ وهل يمكن أن ننتظر نصرًا من كيان لم يحسم أمره بعد في ما إذا كان مجلساً جماعياً أم مكتبًا خاصًا لرئيسه؟

أقولها بوضوح: نعم، الفرصة لا تزال ممكنة. لكن لن تتحقق إلا إذا استعاد المجلس روحه، وأعاد الاعتبار لمعناه، وتخلى رئيسه عن عقلية التفرد، وانخرط الجميع في معركة التحرير لا معارك المواقع. ولا أظن ذلك بعيدًا، لو توافرت الإرادة الحقيقية، وفُتحت الأبواب أمام المصلحة الوطنية لا المصلحة الشخصية.

وإلا فإننا ببساطة، سنظل نعيش على أطلال فرصة ضاعت، ونتحسر على مجلس لم ينجح حتى في أن يكون فرصة.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد