جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

سقطرى: هوية اجتماعية وروحية تتجسد في عادات الدعاء بالأغنام

صدى الواقع - تقرير: حسين الشدادي


في قلب المحيط الهندي، حيث تقع جزيرة سقطرى بأعشابها النادرة وجبالها الشاهقة، تتناغم الحياة الإنسانية مع البيئة الطبيعية في لوحة فريدة لا تزال تحتفظ بألوانها الأصلية رغم عواصف التغيير.

 في هذه الجزيرة التي تعد إحدى عجائب العالم الطبيعية، تأخذ العلاقة بين الإنسان وماشيته بعداً يتجاوز الاحتياجات المادية، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية الاجتماعية والروحية للسكان.

الأغنام: رمز اجتماعي وروحي

الأغنام بالنسبة للسقطريين ليست مجرد مصدر للغذاء، بل هي رمز يتجسد فيه ترابط الإنسان مع الطبيعة وتقاليد الأجداد. وبينما تشهد المجتمعات حول العالم تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة، ظلت سقطرى تمثل نموذجاً فريداً في التمسك بالعادات والمعتقدات التي تحمل معاني أعمق من الظاهر.

"الدعاء بالغنم"، عادة قديمة تتجلى في أوقات الشدة، خاصة أثناء فترات الجفاف. 

يتمثل هذا التقليد في تقديم الأضاحي مصحوبة بدعاء جماعي يُرفع باللغة السقطرية المحلية طلباً للغوث والرحمة.

الدعاء في مواجهة القحط والمصاعب

أحد أبناء الجزيرة تحدث لصحيفة صدى الواقع قائلاً:
"نحن، كأهالي سقطرى، لا نزال نتمسك بعاداتنا وتقاليدنا التي مورست منذ الأزل. 

عندما تحل مصيبة، أو ينزل القحط في الجزيرة، نلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع، ويتم ذلك عن طريق تقديم الأضاحي. يخرج كل فرد من أفراد القبيلة، أو مالك الأغنام، بأحد أغنامه إلى مكان مخصص لتجمع الناس، حيث يُذبح الحيوان وتبدأ الدعوات من كل شخص بلغة سقطرية محلية".

وأضاف قائلاً: "هذه العادة تحمل معنًى عميقاً بالنسبة لنا، فهي ليست مجرد تقديم الأضاحي، بل هي تضرع لله أن يرحمنا ويحفظنا من الشدائد. 

وفي بعض الأحيان، يقود الأشخاص ذوو الخبرة في الدعاء هذه الطقوس، حيث يشاركوننا الدعاء بأسمائنا وبلادنا".

التقاليد في المناسبات الاجتماعية

ولا يقتصر "الدعاء بالغنم" على أوقات القحط، بل يمتد ليشمل المناسبات الاجتماعية.

 فعند إقامة الأعراس أو استقبال الضيوف، تُقدم الأضاحي كتعبير عن الامتنان والدعاء بالتوفيق. 

ويضيف أحد الشيوخ المحليين لصحيفة صدى الواقع:
"في الأعراس، يحرص السقطريون على تقديم الأضاحي، ليس فقط كجزء من الاحتفال، بل كتقليد يحمل رمزية الدعاء بحفظ الضيوف والأهل، وتأكيد الترابط بين أفراد المجتمع."

طقوس متجذرة في الهوية السقطرية

رغم التحديات العصرية التي تواجه الجزيرة، تبقى هذه العادات شاهدة على تمسك سكانها بجذورهم. 

يرى الكثير من السقطريين أن هذه الطقوس تعكس هويتهم الثقافية والدينية، وتبرز ارتباطهم العميق بالطبيعة.

يعلق أحد الباحثين في التراث السقطري قائلاً لـصدى الواقع:
"ما يميز سقطرى هو قدرتها على المزج بين المعتقدات الروحية والحياة اليومية. 

الأغنام ليست مجرد مصدر دخل، بل رمز للبركة والتواصل مع الله. هذه العادات تمنح السكان شعوراً بالانتماء والتواصل مع أجدادهم، وهو ما يصعب العثور عليه في أي مكان آخر."

تحديات العادات في مواجهة العصرنة

ومع ذلك، فإن هذه التقاليد تواجه تحديات نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تظهر في سقطرى، خاصة مع ازدياد الانفتاح على العالم الخارجي.

 يرى بعض المهتمين بالتراث أن الحفاظ على هذه العادات يتطلب جهوداً مشتركة من المجتمع المحلي والجهات الرسمية.

في هذا الصدد، دعا أحد وجهاء القبائل عبر صدى الواقع إلى ضرورة توثيق هذه التقاليد ونقلها للأجيال القادمة:
"علينا أن نعمل على توثيق هذه العادات للحفاظ عليها. 

يجب أن نفهم أن هذه التقاليد ليست مجرد طقوس، بل جزء من هويتنا التي يجب أن نحافظ عليها في وجه التغيرات."

جزيرة سقطرى، بجمالها الطبيعي وتراثها الثقافي، تقدم نموذجاً فريداً لعلاقة الإنسان مع البيئة والطبيعة. 

عادات مثل "الدعاء بالغنم" ليست مجرد ممارسات عابرة، بل تعبير حي عن هوية اجتماعية وروحية متجذرة في تاريخ الجزيرة. 

وبينما يواصل العالم السير في طريق التغيير، تبقى سقطرى شاهدة على جمال البساطة وأهمية الحفاظ على التراث.


Post a Comment

أحدث أقدم