صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي

في أروقة العدالة اليمنية، تبرز قصة ربيع محمد علي غالب الدعري كنموذج فاضح لتواطؤ النفوذ وتباطؤ الإجراءات، في مشهد لا يكشف فقط عن ثغرات قانونية، بل عن واقع مرير تعيشه الفئات المهمشة، حين تتحول العدالة من حصن للمظلومين إلى أداة بيد الأقوياء.
ربيع الدعري، رجل بسيط من فئة المهمشين في اليمن، متزوج وأب لسبعة أطفال، ويعيل والدته وأخواته، عمل حمالًا بأجر يومي لدى أحد التجار في منطقة النشمة بمديرية المعافر بمحافظة تعز. لم يكن يتوقع أن يتحول من كادح يسعى لرزقه إلى سجين بلا محاكمة، محتجز دون دليل، ودون وجه حق.
من اتهام بلا دليل إلى اعترافات منتزعة بالقوة
القضية بدأت باتهام كيدي عقب خلاف عائلي على الإرث بين أبناء التاجر، لتطال اتهامات السرقة أشخاصًا بينهم ربيع، الذي لم يكن حتى في المحافظة وقت وقوع الجريمة. ورغم غياب أي أدلة أو نتائج جنائية تثبت تورطه، تم استدراجه من عدن بحيلة، واحتُجز بشكل تعسفي في أحد الفنادق بمنطقة المسبح، حيث تعرض للاعتداء الجسدي والتهديد، وأُجبر على الإدلاء باعترافات ملفقة تحت الضغط والإكراه.
لاحقًا، أُحيل إلى البحث الجنائي وبقي محتجزًا لشهر وأربعة عشر يومًا دون زيارات، قبل أن يُحال إلى نيابة المعافر والمواسط، حيث أنكر أمام القاضية شروق الوحش كل ما نُسب إليه، كاشفًا عن تعرضه للتعذيب والإكراه، إلا أن ذلك لم يحرك ساكنًا لدى القاضية التي انحازت للنافذين.
تدخلات قضائية ووعود معلقة
مع دخول محامية الدفاع نبيلة الجبيبي على خط القضية، تم التوصل إلى اتفاق بالإفراج عن ربيع بالضمان، لكنه لم يُنفذ، ليبقى أسير المماطلة. وبعد انسحاب القاضية شروق، تولى القاضي يوسف مغلس الملف، وكتب على الضمان التجاري المقدم من ذويه أنه "لا مانع من الإفراج"، لكن رئيس قلم التوثيق تلقى اتصالًا من وكيل النيابة محمد عبده النور البركاني، أوقف تنفيذ القرار دون أي مبرر قانوني.
الغريب أن باقي المتهمين في القضية أُفرج عنهم بضمانات، بينما ظل ربيع –المهمش– خلف القضبان، وسط مماطلة متعمدة وادعاءات كاذبة من النيابة بأن القضية استؤنفت، رغم أنها لم تُرفع أصلًا إلى المحكمة.
عطلة قضائية.. وتأجيل متعمد لما بعد العيد
وفي تطور حديث، ومع مرور سبعة أشهر على احتجازه، حاولت الأسرة استغلال نهاية شهر رمضان لعقد جلسة مستعجلة للإفراج عنه، إلا أن المحكمة رفضت استلام الملف بدعوى "العطلة القضائية". وبعد استئناف الدوام، فوجئ ذوو ربيع بعدم إدراج قضيته في جدول الجلسات، بل تم خداعهم من قبل أمين سر القاضي بإيهامهم بجلسة مزعومة في 5 مايو، اتضح لاحقًا أنها كانت حيلة لإطالة أمد الاحتجاز حتى دخول عيد الأضحى.
اليوم، تم فتح الملف مجددًا أمام القاضي الجزائي صادق العبيدي، القائم بأعمال رئيس المحكمة، الذي ألزم القاضي الحمادي بتحديد جلسة يوم الخميس المقبل. كما وعد القاضي رزار الشعبي، المسؤول القضائي الأول في المحافظة، بالتواصل مع المحكمة للضغط باتجاه عقد الجلسة وإنهاء هذا الظلم.
قضية فردية أم مأساة جماعية؟
ما يتعرض له ربيع الدعري لا يمكن فصله عن الواقع العام الذي تعانيه فئة المهمشين في اليمن، ممن تُنتهك حقوقهم في العلن وتُغلق أمامهم أبواب العدالة. يتحول القانون في مثل هذه الحالات إلى أداة لتكريس التمييز الطبقي، حيث لا قيمة للضمانات القانونية ولا لمبادئ العدالة، إذا ما واجهت نفوذ المال والوجاهة.
قضية ربيع الدعري صارت مثالًا حيًّا على الظلم القضائي والتمييز الاجتماعي، وعلى ضرورة إصلاح جذري في منظومة العدالة اليمنية، التي باتت عاجزة عن تحقيق العدالة لضعفاء هذا البلد.
ربيع لا يزال خلف القضبان، حريته معلقة بقرارات مؤجلة ووعود قضائية لا تُنفذ. فهل يتحرك ضمير القضاء؟ وهل يجد هذا المواطن البسيط من ينصفه في وطن تتآكل فيه العدالة يومًا بعد يوم؟ الأيام القادمة ستجيب.
إرسال تعليق