جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

نظرية المؤامرة: أكذوبة تحكم وطناً وتُجهض الحقيقة

صدى الواقع اليمني - كتب: عبدالإله الشرجبي
Published from Blogger Prime Android App
منذ أن عرف الإنسان معنى السلطة، وُلدت المؤامرة في رحم الطمع، وصارت الأداة السحرية التي يبرر بها الطغاة فشلهم، ويغسل بها الفاسدون أيديهم من دماء الحقيقة.
وفي وطنٍ مثل اليمن، يتناسل فيه الوجع مع كل فجر، لم تعد المؤامرة فكرةً تُهمَس في أقبية السياسة، بل صارت عقيدة تُلقّن للأطفال، ودرعًا يختبئ خلفه كل فاجر، وسيفًا يُشهر في وجه كل ناصح أمين يريد لبلده الخلاص كباقي شعوب العالم..
لقد تحوّلت هذه النظرية من هامش في كتاب التاريخ إلى عنوان عريض لواقع مأزوم، تلوكه ألسنة القادة، وتبثه الأبواق، وتغتاله ضمائر النائمين في نعيم الخراب والدمار .
وهكذا، في بلدٍ يُباع فيه الخبز باسعار خياليه، ويُشترى فيه الولاء بألف وجه، ارتدت "نظرية المؤامرة" لباس الدولة، وصارت جدارًا يقف عليه اللصوص لمواجهة الشرفاء.

في اليمن، لا تُحكم البلاد بالدستور، ولا تُدار الدولة بالقانون، بل تُدار بعقلية الرُعب والتخوين، وتُخرس الأصوات تحت رايةٍ واحدة: نظرية المؤامرة، ويلعب على هذه النظرية الجميع دون استثناء 
هذه العبارة السحرية تحوّلت من تحليل سياسي في دهاليز المخابرات، إلى عصا غليظة يلوّح بها الفاسد على كل من يهمس بكلمة "محاسبة"، وكل من يفتح نافذةً للضوء في جدار الظلام، وكل من يقف ضد العبث والفوضى، ويطالب بإصلاح الوضع والحفاظ على المال العام، 
لقد نجح الفاسدون في إعادة تعريف القاموس الوطني:
فـ"الخيانة" أصبحت وجهة نظر.
و"السرقة" أصبحت اجتهادًا سياسيًا.
و"العدالة" أصبحت مشروعًا مشبوهًا مدفوعًا من الخارج!
كل شيءٍ في هذا البلد مؤامرة... حتى المطالبة بمقعد جامعي لابن شهيد أو جريح تهمة تستوجب الرجم الإعلامي!
حتى رغيف الخبز حين تسأل عنه، تصبح مشكوكًا في نواياك الوطنية!
حتى الخروج للمطالبة بشربة ماء فأنت مذنب لاتوبة لك إلا بالتخلي عن المطالبة، الصمت عن القهر والجوع ،والبؤس والحرمان 
 
إنها أسطوانة مشروخة تُدار كلما كاد الشعب أن يصحو، وكلما لاحت في الأفق بارقة وعي أو صوتٌ يعلو فوق صوت أهل المذلة والتفاهة 
تُنهب خزائن الدولة وتُقسم الغنائم، وتُفتَت السيادة وتُباع المواقف، ثم يخرج من يتحدث: "بأن هناك مؤامرة دولية لضرب استقرارنا!"
عن أي استقرار يتحدث 
أي استقرار هذا؟!
وهل في بلدٍ ويعيش دون كهرباء، وبلا دولة، وبلا رواتب، وبلا أمن، ما يُسمّى استقرارًا؟ وهل في بلد يصبح المواطن على جريمة ،وينام على أخرى يسمى استقرارا
أم أن الاستقرار في عُرفهم هو استمرارهم في الحكم، ولو على جثث الأبرياء؟!
حين يُفتح ملف فساد، يُغلق بسرعة قياسية، لا لأن المتهم بريء، بل لأن البريء نفسه سيُتّهم إن فتح فمه!
وحين تُطارد الكارثة المواطن، يُقال له: "تحمّل، فالوطن مستهدف!" والعقيدة في خطر ،والشعب يعيش في أزمة حقيقية حين يستهدف من أفسد على المواطن عيشته على مدار السنوات 
نعم، مستهدف... لكن من لصوصه، من لصوص الشمال والجنوب معًا. والشرق والوسط، 
لقد أصبح شعار "المؤامرة" هو الحل السحري لتبرير كل شيء:
لانهيار الاقتصاد؟ مؤامرة!
لارتفاع الأسعار؟ مؤامرة!
لاختفاء الدولة؟ مؤامرة!
لكن حين تسأل: من الفاعل الحقيقي؟ تُتّهم بأنك عميل تسعى لتشويه المناضلين!، والقادة الشرفاء، والمناضلين الاخفياء ،من قدموا التضحيات، 

في عالمهم المقلوب، تُصبح الفضيلة تهمة، والفضيحة ذكاء . 
يُمارس الكذب على الملأ ويُسمى "حنكة إعلامية"، وتُسرق المشاريع باسم "الاستثمار"، وتُبرر الفوضى باسم "الحرية" والكرامة .
يتحدثون عن المؤامرات بينما يوقعون عقود التبعية، يبكون على السيادة وهم يبيعون الموانئ والمطارات والولاء، والمستقبل والحاضر، 

بلادٌ تُقسّمها المؤامرة ولا توحدها المواطنة، تُكمّمها الخُطب ولا تحكمها العدالة، تُنهب باسم الدين وتُباع باسم الوطن. 
والأسوأ من كل هذا: أن نصف الشعب صار يُردّد الأكذوبة، ويقاتل دفاعًا عن جلاده، لأن العقل قد سُلِب، والوعي قد أُغتيل، والحقائق تُروّجها منصات "الوطنية المؤجرة". 

هنا، في هذا المستنقع الفاجر ، تساوى شمال الوطن بجنوبه، وتوحد الفاسدون فوق دماء الضحايا.
فلا فرق بين ناهب في صنعاء، وآخر في عدن.
ولا بين شيخ يُصدر الفتوى لتبرير النهب، وقائد يضع صورته فوق بقايا جثة شهيد.
ولا بين فاسد يدّعي الدفاع عن الله، وآخر يبيع الوطن باسم الجمهورية.

الحقيقة الجارحة؟
أن "نظرية المؤامرة" لم تعد مؤامرة من الخارج، بل أصبحت سياسة داخلية، وخطة عمل، ودستورًا غير مكتوب.
وكل من يتشدق بها اليوم، هو جزء منها، بل هو كاتب فصولها ومخرج مشاهدها.
هم وحدهم المستفيدون منها، وهم وحدهم الذين يخافون زوالها، لأن زوالها يعني زوالهم.

أي مؤامرة هذه التي تترك أبناء المسؤولين يدرسون في باريس، بينما يُؤخذ أبناء الفقراء إلى معسكرات الموت؟ 
أي مؤامرة تلك التي تحوّل خزينة الدولة إلى حسابٍ خاص، ثم تُطلب من المواطن الصبر لأنه في "معركة مصير"؟
أي معركة هذه التي لا يموت فيها إلا البسطاء، ولا يربح فيها إلا القتلة؟!

نعم، هناك مؤامرة...
لكننا نعرف الآن من هم المتآمرون.
من يرفعون شعارها، هم أول من يطعن الوطن.
من يُكثرون الحديث عنها، هم من يسرقون الخبز من أفواه الجياع.
من يدّعون الدفاع عن العقيدة، هم من ارتكبوا كل رذيلة باسمها.

وإذا لم نسمِّ الأشياء بأسمائها، ونضع النقاط فوق حروف الخيانة...
فلا نصر سيتحقق، ولا وطن سيعود، ولا دمعة يتيم ستجف.

آن لنا أن نرفع راية الحقيقة... لا راية المؤامرة.
وأن نعلنها: الفاسد هو العدو الأول، وصوته المرتجف عن "المؤامرة" هو صوته حين يُفضَح. 
ليست المؤامرة سوى قناعٍ يرتديه الطغاة والمجرمين حين تسقط أوراق التوت عن عوراتهم، وصرخة استغاثة يطلقها الفاسدون كلما لاحت في الأفق نُذر الحساب.
فمن يُكثر الحديث عن المؤامرات، هو غالبًا جزءٌ منها...
ومن يلوّح بها في كل منعرج، إنما يخشى عدالة قادمة لا محالة. ويقضة شعب صمت طويلا، وفاق من غفلته 

في وطنٍ نُهبت روحه قبل ثرواته، وسُرقت ذاكرته قبل أراضيه، لم تعد "المؤامرة" تُحاك في الخارج، بل تُفصّل على مقاس الداخل، وتُسوّق بلهجة العار على أنها غيرة وطنية!

وإن لم نُسقِط هذا القناع الآن، وإن لم نسمّ الخيانة باسمها، فلن يبقى لنا من الوطن سوى الخريطة،
ولا من الأمل سوى وهمٍ يُباع في نشرات الأخبار. ومواقع التواصل الاجتماعي،

فالوطن لا تُنقذه الشعارات، بل تُنقذه الحقيقة.
ولا يُطهّره الصمت، بل تُطهّره المواجهة.ولايبنى بالمناكفات والخلافات بل يبنى بالعدالة والمساواة وكرامة البشر هي قاعدة البناء الصلب لكل تنمية مستدامة.
وحين نكسر صنم المؤامرة، سنرى وجوههم كما هي: عاريةً من الشرف، خالية من القيم متورطةً في كل جريمة... باسم الوطن.

فليكن شعارنا من اليوم:
لا مؤامرة أعظم من فسادكم
ولا جريمة أقبح من عبثكم 
، ولا خيانة أفظع من سكوتنا عليكم..

Post a Comment

أحدث أقدم