جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

رسالة إلى وطني

صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي
Published from Blogger Prime Android App

وطني، يا أول ندبة رسمها الزمن على قلبي.
أكتب إليك وأنا لا أعلم إن كنتَ ستسمعني، أو إن كنتَ لا تزال تذكرني من بين وجوهٍ كثيرة مرّت على ترابك، ومضت. أكتب إليك لا بمداد الحبر، بل بدمعةٍ احتبستها سنوات، بصرخةٍ كمّمتها الحياة، وبقلبٍ ظلّ يقاوم رغم كل شيء.

وطني،
كُنتَ لي الحضن الأول، والأمل الأوّل، والانتماء الذي زرعوه فينا منذ الطفولة، كما تُزرَع شجرة صغيرة على رصيفٍ مكسور. كبرنا ونحن نردد اسمك في طابور المدرسة، نرسمك علمًا على دفاترنا، نحلم بأن نكبر لنرفع شأنك… لكنك كبرت معنا كغصة، كوجعٍ لم نعرف له دواء.

هل تعلم يا وطني؟
أنا ممن أحبّوك، ممن آمنوا بك رغم كل شيء، ممن قالوا "سيأتي اليوم"، وصبروا… صبرنا حتى تسربَ التعب إلى أرواحنا، حتى صارت أعيننا لا تراك كما كنتَ، بل كما صرتَ. وطنًا يغلق أبوابه في وجه أبنائه، ويفتحها للغرباء. وطنًا يسلب الكلمة، ويكتم الحلم، ويكافئ الصمت أكثر من الحق.

وطني،
أشتاق إليك كما يُشتاق لطفولةٍ ضاعت، لشارعٍ كان صاخبًا بالضحك، لجارةٍ كانت تسأل عنّا كل مساء. أشتاق إلى نكهة الخبز من فرن الحارة، إلى رائحة المطر على ترابك، إلى بساطة كنا نحياها قبل أن تسرقنا السياسة والفقر والموت المجاني.

لكن، كيف أشتاق إليك وأنت تؤذيني؟
كيف أحبك وأنت ترفضني؟ كيف أحملك في قلبي، بينما أنت تنكرني في كل ورقةٍ ومعاملةٍ وصفّ انتظار؟
أصبحتَ يا وطني مكانًا لا يأويني، ولا أجد فيه نفسي، صرتَ غريبًا عني، كما صرتُ أنا غريبًا فيك.

وطني،
لم أهرب منك، لكنك طردتني. لم أخذلك، لكنك خذلتني مرارًا. أعطيتك كل ما أملك: أحلامي، شبابي، دمع أمي، وصبر أبي، ثمّ تركتني على هامشك كأني لا شيء.

أيعقل أن يكون الوطن فكرة؟ أيكون مجرّد خيال نحمله معنا حين تغلق المدن أبوابها؟
أم أن الوطن لا يعني شيئًا إن لم يكن عدلًا، وكرامة، وفرصة؟
أخبرني يا وطني… ما الذي تبقّى منك فيّ؟ هل أنا ابنك؟ أم مجرّد رقم في قاع الإهمال والنسيان؟

ورغم كل هذا، ما زلتَ في قلبي.
أعلم أن الحب لا يُقاس بما نأخذه، بل بما نعطيه. وأعطيتك أكثر مما أعطيتُ نفسي، وسأظل أحملك في دعائي، وفي غصّتي، وفي كل مرةٍ أسمع فيها اسمك يُقال.

وطني،
قد لا أراك كما تمنيت، وقد لا أرجع إليك كما أردت، لكنني سأبقى أكتب لك، كلما اشتدت الغربة، وكلما نزفت الذاكرة. سأكتب، حتى تعلم أنني لم أخنك يومًا… بل أنت من نسيتني.

ابنك… الغريب في وطنه.


Post a Comment

أحدث أقدم