جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

الذكاء الاصطناعي بين الحقيقة والتزييف: من "غابة لا إله إلا الله" إلى الخداع المعزز تقنيًا

صدى الواقع اليمني - كتب : حسين الشدادي

Published from Blogger Prime Android App
في بدايات الألفية الجديدة، كان المواطن اليمني يندهش من صور تُنشر على وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الناشئة آنذاك، تظهر "غابة" تشكلت أشجارها بعبارة "لا إله إلا الله"، أو "أفعى ضخمة" تبتلع دبابة في جبال أفغانستان، أو "رجل بهيئة حيوان" قيل إنه لم يدفع اشتراكاته في جمعية دينية. يومها، كان حزب الإصلاح من أبرز من استخدم هذا النوع من الصور والمرويات ضمن سياقات دعوية أو دعائية، في محاولة لتثبيت مفاهيم معينة أو التأثير على الوعي الشعبي.

اليوم، وبعد أن أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع، وشهد العالم ثورة معلوماتية غير مسبوقة، نعيش موجة جديدة أكثر تطورًا وخطورة من "الخداع البصري والمعرفي"، تُستخدم فيها أدوات مثل ChatGPT الأمريكية وDeepSeek الصينية وغيرها من المنصات التي تتيح توليد نصوص وصور وفيديوهات تبدو واقعية تمامًا، لكنها في كثير من الأحيان مفبركة أو منحازة أو موجهة لأغراض خفية.

من البساطة إلى التعقيد: رحلة تطور الخداع

إن أساليب الخداع الإعلامي لم تختفِ، لكنها تطورت؛ ففي الأمس كانت تقتصر على صور مزيفة وضعيفة الجودة يروج لها عبر البريد الإلكتروني أو "بلوتوث"، واليوم باتت أكثر ذكاءً. فأنت قد تقرأ خبراً يبدو موثقاً بالأسماء والتواريخ والصور وحتى "التعليقات"، لكنه في الحقيقة من إنتاج أدوات ذكاء اصطناعي مدربة على محاكاة المحتوى الإخباري الدقيق.

هذا لا يقتصر على الأخبار فقط، بل يمتد إلى تشكيل رأي عام زائف، وتضليل الناس في القضايا السياسية والدينية والصحية. ولعل أخطر ما في الأمر أن كثيراً من الناس، رغم توفر وسائل التحقق، ما زالوا يصدقون تلك الروايات ويعيدون إنتاجها عبر مجموعات "الواتساب" و"فيسبوك"، بما يشبه عدوى فكرية يصعب تطويقها.

لماذا يستمر الخداع رغم سهولة التحقق؟

قد يتساءل البعض: لماذا تنجح تلك الأكاذيب؟ والإجابة ببساطة أن وسائل الخداع تتطور كلما تطورت أدوات المعرفة. فالمتلقي الذي كان يكتشف بسهولة زيف "غابة لا إله إلا الله" في التسعينات، قد لا يستطيع اليوم تمييز فيديو مزيف لرئيس دولة أو عالم دين يقول ما لم يقله.
إضافة إلى ذلك، فإن العقل البشري يميل إلى تصديق ما يوافق ميوله وقناعاته، خاصة عندما يقدم له في قالب احترافي وبأسلوب عاطفي.

الذكاء الاصطناعي.. أداة معرفة أم خنجر في ظهر الحقيقة؟

لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة في تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتحسين جودة المحتوى، ومساعدة الصحفيين والباحثين والطلاب. لكن في المقابل، بات يُستخدم أيضاً كسلاح للتلاعب، فظهرت مواقع تنشر تقارير سياسية واقتصادية كاملة، تم إنشاؤها آلياً لخدمة أجندات محددة.
والأخطر أن البعض بات يثق بما تنتجه تلك الأدوات دون تدقيق، ظنًا منه أن "الذكاء الاصطناعي لا يكذب"، متجاهلاً أنه مجرد أداة تعكس ما يُغذى به من بيانات.

ما الحل؟

التوعية الرقمية: من الضروري أن يتم إدراج مفاهيم التحقق من المعلومات والتمييز بين المصادر في المناهج التعليمية والإعلام المجتمعي.

منصات تحقق مستقلة: دعم المنصات المستقلة التي تقوم بفحص الأخبار والصور والفيديوهات، مثل "مسبار" و"فتبينوا" وغيرها.

المحاسبة الرقمية: يجب سن تشريعات تجرم إنتاج أو تداول المحتوى المزيف وخاصة في القضايا الحساسة.

التربية على الشك: ليس بمعنى الارتياب السلبي، بل امتلاك حس نقدي دائم عند استقبال أي معلومة.

إن تطور أدوات المعرفة لا يعني اختفاء الخداع، بل تغير شكله وأساليبه. وما بين "أفعى تبتلع دبابة" و"فيديو زائف لرئيس يعلن الحرب"، يظل الوعي النقدي هو الحصن الأخير للعقل البشري. فالخداع ليس في الصورة أو النص، بل في عقل توقف عن السؤال، وعن حقه في التحقق.

Post a Comment

أحدث أقدم