جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

زيارة العليمي إلى موسكو.. محاولة لفتح نافذة في جدار الحرب المسدود

صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي


Published from Blogger Prime Android App

بعد خمسة عشر عامًا من القطيعة، تعود الرئاسة اليمنية إلى موسكو بزيارة رسمية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي. هذه العودة الدبلوماسية، رغم طابعها البروتوكولي، تحمل بين طيّاتها أبعادًا تتجاوز الشكل إلى جوهر الأزمة اليمنية الراهنة وتعقيداتها الإقليمية والدولية. تأتي هذه الزيارة في لحظة حرجة تمر بها البلاد، وسط انسداد سياسي شامل، وتنامي القوة العسكرية لجماعة الحوثي المدعومة من إيران، في وقت تراجعت فيه وتيرة الاهتمام الدولي بالحرب التي دخلت عامها العاشر دون أفق للحل.

بين الرمزية والتحوّلات: لماذا موسكو؟

زيارة موسكو ليست حدثًا عابرًا يمكن تأطيره في خانة المجاملات الدبلوماسية، بل هي مكاشفة اضطرارية في ظل تغيّر موازين القوى إقليميًا ودوليًا. فروسيا، التي باتت أحد أبرز أقطاب التأثير في النظام الدولي الجديد، تحولت إلى لاعب فاعل في ملفات تتجاوز جغرافيتها، بدءًا من سوريا، ومرورًا بأوكرانيا، وليس انتهاءً بالشرق الأوسط واليمن.

العليمي لم يذهب إلى موسكو بوصفها حليفًا، بل بوصفها قوة مؤثرة في مجلس الأمن، لها علاقات استراتيجية مع إيران، الداعم الأول للحوثيين. ولعلّ الرسالة الضمنية التي أراد إيصالها هي اختبار مدى حياد روسيا تجاه الملف اليمني، وما إذا كانت مستعدة للحفاظ على دورها المتزن، أو ستنخرط - مباشرة أو تلميحًا - في سياسة المحاور التي تعمّق المأساة اليمنية.

العليمي يعيد رسم ملامح الحوثي أمام الكرملين

خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استخدم العليمي لغة واضحة وصريحة لوصف جماعة الحوثي، متهمًا إياها باستخدام الطيران المدني أداة حرب، واحتجاز طائرات مخصصة للحجاج، وتحويل كل ما هو مدني إلى وسيلة صراع. هذا التوصيف، وإن بدا امتدادًا للسردية الرسمية للشرعية منذ سنوات، إلا أن خروجه من منصة موسكو يكسبه بعدًا رمزيًا وواقعيًا في آن.

العليمي لم يكتف بالتوصيف، بل أعاد ربط الجماعة بخلفيتها الفكرية السلالية، محذّرًا من أيديولوجيا سلطوية تسعى لتقويض مفهوم الدولة ومؤسساتها، بما يعيد إلى الأذهان نماذج مشابهة في المنطقة، من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي في العراق.

ستوكهولم: قيد أم مخرج؟

واحدة من أبرز النقاط التي أعاد العليمي طرحها كانت اتفاق ستوكهولم، الموقّع عام 2018، والذي أوقف التقدم الحكومي في مدينة الحديدة. العليمي وصف الاتفاق بأنه نقطة انعطاف جعلت الشرعية بلا أدوات ردع، مقابل إطلاق يد الحوثيين لإعادة تموضعهم العسكري وفتح جبهات خارج اليمن، أبرزها البحر الأحمر.

هذه القراءة، وإن لم تكن جديدة، إلا أنها تكشف تحوّلاً في لهجة الحكومة اليمنية، من محاولة الحفاظ على توازن شكلي في اتفاق لم يُنفّذ إلا من طرف واحد، إلى توجيه الاتهام المباشر للمجتمع الدولي بأنه ساهم - بقصد أو بدونه - في كسر ميزان الردع، وتحويل الحديدة إلى منصة تهديد دولية.

هل تغيّر موسكو موقفها؟

الاستقبال الذي حظي به العليمي في موسكو كان لافتًا، لكنه لا يشير إلى تغير جوهري في موقف روسيا. إلا أنه، في المقابل، يفتح نافذة محتملة لكسر الجمود الذي يحيط بالملف اليمني في مجلس الأمن، حيث باتت المواقف متكلّسة، لا تعكس تطورات الواقع الميداني.

روسيا، التي تمتلك علاقات قوية مع إيران، قد تكون مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط، أو على الأقل، لدفع الحوثيين نحو تقديم تنازلات. لكن هذا الدور يبقى مرهونًا بمدى استعداد موسكو للابتعاد عن حسابات المحاور، والتموضع كموازن حقيقي في أزمة باتت تهدد استقرار الإقليم.

حكومة بلا أدوات.. كيف يمكنها المواجهة؟

الرسالة الأهم التي حملتها زيارة العليمي إلى موسكو ليست في ما قاله، بل في ما لم يقله صراحة: أن حكومته تقف على أرض رخوة، بلا دفاع جوي، وبلا سيطرة مالية، وبلا تكافؤ إعلامي، وتُطالَب مع ذلك بتحقيق نتائج في معركة تم خنقها قبل أن تبدأ.

هذا الاعتراف الضمني بهشاشة الموقف الحكومي، لا يعني بالضرورة إعلان هزيمة، لكنه يستدعي مراجعة شاملة للخيارات المتاحة. فالتعويل على المجتمع الدولي دون امتلاك مشروع وطني صلب لن يغير من المعادلة شيئًا. وهنا تكمن المفارقة: حكومة معترف بها دوليًا لكنها بلا أدوات سيطرة فعلية، في مقابل جماعة متمردة تسيطر على العاصمة وتبني ترسانة عسكرية تهدد الإقليم.

بين الواقعية والإنذار: لغة الخطاب الجديد

لغة العليمي اتسمت بالواقعية، بل وربما بشيء من التشاؤم المسؤول. لم يقدّم وعودًا، ولم يعرض خططًا، بل أطلق تحذيرات مدروسة. وصف جماعة الحوثي لم يكن فقط محاولة للتأثير في الموقف الروسي، بل رسالة للعواصم الغربية التي بدأت تتعامل مع الجماعة كأمر واقع.

لكن حتى هذا الخطاب، بكل وضوحه، يظل ناقصًا ما لم يواكبه تحرّك داخلي يعيد رسم المشروع الوطني اليمني، ويمنح الحكومة ما تحتاجه من أدوات الفعل، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

ما بعد موسكو: إلى أين؟

زيارة موسكو لن تغيّر قواعد الاشتباك على الأرض، لكنها خطوة في طريق طويل لاستعادة زمام المبادرة دبلوماسيًا. الحكومة اليمنية تدرك أن الرهانات الخارجية وحدها لن تنقذها، لكنها تحاول اللعب على ما تبقى من مساحات الحركة في عالم بات محكومًا بمعادلات القوة.

السؤال الآن: هل تملك الشرعية اليمنية ما يكفي من الإرادة لإعادة تشكيل نفسها كمشروع بديل، لا مجرد رد فعل على مشروع الحوثيين؟

الإجابة لا تزال غامضة، لكن ما هو مؤكد أن اللحظة تتطلب أكثر من خطابات وتحركات خارجية، إنها لحظة مراجعة داخلية شاملة تعيد بناء المشروع الجمهوري، وتحشد ما تبقى من طاقات الشعب اليمني خلف رؤية وطنية لا مكان فيها للسلالة ولا للاستبداد.

زيارة موسكو كانت محاولة للطرق على جدار الصمت الدولي، لكنها أيضًا إنذار بأن اليمن يقف على مفترق طرق، وأن الحرب لم تعد داخلية، بل جزء من معركة أوسع تهدد أمن المنطقة والعالم. والمسؤولية الآن تقع على الجميع: من يقف مع الدولة، ومن يقف على الحياد، ومن يتواطأ بالصمت.

 

Post a Comment

أحدث أقدم