صدى الواقع - كتب: محمد محمد السفياني
واقع منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب: هزيمة إسرائيل وشلل إيران وتخبط تركيا في مشاريعها بين التوجه الغربي والشرقي، حيث لا هي رخص لها الدخول في نقطة الاتحاد الأوروبي ولا هي استطاعت العودة إلى ماضيها في الشرق. أما موقف العرب من القضية الفلسطينية فهو موقف موحد.
قد يختلف الفلسطينيون فيما بينهم، وقد يختلف العرب فيما بينهم، وقد يختلف اليمانيون مع بعضهم، لكن هناك إجماع على أن إسرائيل كيان محتل للأراضي الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، وأن الجميع يدعمون الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقه وأرضه المغتصبة. وقد دعم كل عربي حسب الآلية التي تناسب وضعه ومكانته الدولية أو الإقليمية. المهم أننا بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي في الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري واليمني، إلا أن إسرائيل هزمت سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وقيادات الكيان الإسرائيلي في قلق من الملاحقة الدولية كمجرمي حرب إبادة جماعية، وهذه تمثل أيضاً هزيمة أمام العدالة والقانون الدولي. بل إن أمريكا والغرب وقفوا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مواجهة العالم وفشلوا في جمع ثلث الدول التي صوتت إلى جانب الشعب الفلسطيني. بل إن أحرار الإنسانية في الغرب ثاروا على دعم دولهم لإسرائيل، وقد فشل بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في إلقاء خطابه الأخير والناس ينادونه مجرم حرب فلسطين حرة.
طبعاً كان للشرق موقفه القوي والمتميز، وبغض النظر عن دوافعه والصراع مع أمريكا والغرب، لكنه موقف نكن له كل التقدير. وإنما أشكر أحرار الغرب لأن موقفهم يخالف مواقف أنظمتهم الداعمة للعدوان الإسرائيلي. وقد لوحظ الدور المتميز للدبلوماسية العربية والإسلامية التي وجهت صفعة قوية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. تمثلت هذه الصفعة في فك الارتباط بين الدولار والنفط. وما فوز ترامب فوزاً كبيراً وحصوله على غالبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية والغالبية في الشيوخ والنواب وأصوات المجمع الانتخابي إلا تعبيراً عن استياء الشعب الأمريكي من سياسة بايدن والحزب الديمقراطي.
فهل كان تصريح ترامب بأن بلاده فيها جنسان فقط لا ثالث لهما، ذكر وأنثى، هو تعبير عن رفض الشعب الأمريكي لدعم الشواذ في سياسة بايدن؟ أليس دعمه لجرائم إسرائيل في قتل أطفال فلسطين قد أوصل أمريكا إلى وضع آيل للسقوط؟ وهل انتخاب الشعب الأمريكي لترامب تعبير عن رفضهم لسياسة بايدن؟ وهل أضر دعم أمريكا لإسرائيل جعل ترامب يرغم نتنياهو على التوقيع على اتفاقية إيقاف الحرب وتبادل الأسرى؟ وهل تلقي نتنياهو السب بكلمات نشرت في صفحة ترامب لا تقال حتى لكلاب الشوارع يعكس حجم الخسائر التي تكبدتها أمريكا من دعمها لإسرائيل؟
عندما كان ترامب يلقي اليمين وخطاب التنصيب، كان مستشاره للأمن القومي مايك والتز يصرح لقناة CBS الأمريكية أن الرئيس ترامب هو مع حل الدولتين. فهل صحيح كلام والتز رغم تناقض هذا مع ما قام به ترامب خلال فترة حكمه السابقة حين ألغى مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأمر بضم الجولان إلى إسرائيل؟ فهنا سيكون الاختبار الحقيقي أمام أردوغان والشرع، هل سيقبلان بالضم النهائي للجولان؟ فيما أشاد والتز بما سماه إنجازات إسرائيل بأنها استطاعت أن تحجم إيران وجعلت من إيران دولة دفاعية وقضت على قيادة حزب الله وقيادات حماس بعمليات الأجهزة اللاسلكية والبيجرات ورحلت الأسد. وأضاف والتز أن حماس لن تحكم غزة أبداً ما لم يتم ملاحقتها كمنظمة إرهابية.
وحول مستقبل منطقة الشرق الأوسط في خطة ترامب، قال سيتم توقيع اتفاقية إبراهيم أو الإبراهيمية، مشيراً في حديثه أن نتنياهو يحلم بتوقيع هذه الاتفاقية مع السعودية، وأن سلام المنطقة يتوقف على اتفاق السعودية وإسرائيل. وفي جوابه عن الخلافات بين إسرائيل ودول المنطقة وكيف سيتم تجاوزها، علل على ذلك بأن قيام الموانئ والسكك الحديدية والمشاريع الكبيرة تجعل العداوات والخلافات تصغر شيئاً فشيئاً حتى تنتهي ويعم السلام في المنطقة. لكن هناك احتمال أن السعودية قررت عدم التطبيع مع إسرائيل إلا بقيام الدولتين وقد حددت موقفها قبل انتخاب ترامب. فيما هناك احتمال قيام إسرائيل باستهداف النووي الإيراني وبعض المنشآت العسكرية والصناعية في إيران لصنع انتصار لإسرائيل يعوض هزيمتها في غزة. وهل سيدعم ترامب خطة نتنياهو من أجل استعادة إسرائيل هيبتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم أم ماذا؟ أم إن ترامب في رئاسته الثانية سوف يسلم قيادة منطقة الشرق الأوسط كاملة للمملكة العربية السعودية؟ وهذا ما لمح به مايك
والتز
والحقيقة أن الصين وروسيا على اتفاق كبير مع السعودية في الوقت الذي لا زالت السعودية لم تفصح عن موقفها من اتفاق ترامب معها ومع دولة الإمارات بشأن F35 وعدد من الاتفاقيات الصناعية التي أوقفها بايدن. حتى ترامب لم يتكلم عنها إطلاقاً ولم يصرح عنها ترامب باعتبارها التزامات ومعاهدة يجب تنفيذها في عهده. فإذا لم تنفذ في عهد ترامب لا يمكن أن تنفذ في عهد الرئيس الأمريكي القادم بعد ترامب. فهل تتخطى دول الخليج العربي الطريق الأمريكي إلى طريق الحرير؟ في حال لم يفي ترامب بوعوده، وهل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تحمل أي خلاف مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط الغنية وتحتفظ بكيان طفيلي يدعى إسرائيل يعيش على فضلات أمريكا؟ فيما كل المؤشرات تدل أن أمريكا بحاجة لدول الخليج ورؤوس الأموال العربية. لكن ترامب لم يفصح عن مصير الاتفاق الموقع بينه وبين السعودية والإمارات كما لم تفصح الدولتان عن رأيهما حول مستقبل العلاقة التي تربطهما بأمريكا في ظل اهتزاز الثقة بسياسة التهبش الأمريكي خلال عقدين من الزمن وممارسة معظم أساليب التهبش مع دول منطقة الشرق الأوسط... فهل من مدكر؟
إرسال تعليق