صدى الواقع اليمني - كتب : حسين الشدادي
في زمنٍ عزَّ فيه الجمال وتوارى الإبداع خلف ركام الحرب وسواد السياسة، بزغ من قلب اليمن صوتٌ يأبى الانطفاء، يحمل بين أنامله لحنًا من الأعماق، ويعيد إلى الأذن اليمنية شرف الاستماع. إنه محمد القحوم، المايسترو الذي استنطق الحجر ووشّح الصمت بأثواب النغم، فحوّل اللحن الشعبي إلى لغة عالمية، تذوب فيها جغرافيا الأرض وتنهار حدود السماع.
ليس القحوم مجرّد موسيقيّ ينسج مقطوعاته من وترٍ وإيقاع، بل هو ناسكٌ في محراب الصوت، يمارس طقوسًا جمالية سرمديّة، تستنفر فينا الدهشة وتبعث فينا يقينًا بأن اليمن، وإن ضلّ الطريق في السياسة، لا يزال يهتدي بالفن.
تأمّل أيّها القارئ، كيف جعل من عازفين لا يفقهون أبجديات السيمفونية، أن يخطّوا مقاماتٍ لا يشق لها غبار، تناغموا مع عازفين عالميين لا يشاركونهم اللغة ولا الثقافة، لكنهم وجدوا في نغمة القحوم مشتركًا إنسانيًا أعلى، فذابت الفوارق، وارتفع اليمن ليرتّل اسمه في محراب الفن الكوني.
إنه درسٌ لنا جميعًا: أن الهوية ليست في الشكل بل في الروح، وأن الفن اليمني لا يحتاج إلا إلى عقلٍ نابه، وذائقةٍ نبيلة، كي يرتدي حلّة المجد.
وإننا، إذ نفتتح هذا العدد من صدى الواقع اليمني بهذه التحية للمايسترو محمد القحوم، نكتب للزمن شهادة اعتزاز، بأن في وطننا من لا يزال يصنع الحياة من بين ثنايا الموت، ويزرع الأمل في قاع اليأس، ويجعل من الموسيقى منبرًا لنهضة الإنسان اليمني.
إرسال تعليق