صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي

في تعز، المدينة التي كانت يوماً منارة للثورة وأيقونة للكرامة، تُعقد المؤتمرات وتُرفع الشعارات ويُدعى الشباب للحديث عن التغيير والمستقبل. غير أن الحقيقة المؤلمة أن هذا “الشباب” لم يتغير، ولم يتبدل، ولم تتسلل إليه تجاعيد السنين، كأنما الزمن توقف عند عام 2011، ليحفظهم في قالب واحد، تتجدد أدوارهم وتتعدد مناصبهم، لكن الوجوه ذاتها، والعقول ذاتها، والمنهج ذاته.
إن مؤتمر الشباب الأول، الذي رُوّج له على أنه نافذة أمل لجيل جديد، لم يكن إلا إعادة إنتاج مبتذلة لمشهد مكرور، حيث اعتلت المنصة ذات الوجوه التي ألفناها في كل نشاط، وفي كل منتدى، وفي كل حملة، حتى باتوا أشبه بالملح الذي لا يغيب عن أي مائدة. هم أنفسهم شباب الثورة وشباب المنظمات وشباب الأحزاب وشباب السلطة، وهم الإعلاميون والنشطاء والمستشارون والمقاومون وناقدو السلطة وحماتها في آنٍ معاً.
تراهم يتلونون كما الحرباء، يركبون كل موجة، ويهتفون بكل شعار، ما دامت النتيجة تصب في أرصدتهم البنكية وفي مناصبهم الاعتبارية. هم دعاة الدولة المدنية حيناً، ودعاة الخلافة حيناً، وأنصار العلمانية حيناً، ووعّاظ المنابر في حينٍ آخر. هم مَن حوّلتهم المنظمات الدولية من وقود للثورة إلى أدوات للتمكين السياسي، مُفرّغين من الروح الثورية التي خرج بها شباب اليمن الحقيقيون، أولئك الذين قضى بعضهم، واعتُقل بعضهم، وتُرك بعضهم في العراء بلا رعاية ولا تمويل ولا منصة يخطبون من فوقها.
هؤلاء “الشباب الخالدون” هم ضحكة مريرة في وجه كل من صدّق أن التغيير في اليمن قد بدأ، وهم الإهانة المستمرة لكل شهيد سقط على أمل أن يرى وجهاً جديداً يتصدر المشهد ذات يوم. إنهم الطبقة الجديدة من الفساد، فسادٌ يرتدي ثوب الثورة، ويتعطر بشعارات العدالة والتنمية والتمكين، لكنه في جوهره ليس سوى توريث للنفوذ، وتدوير للمصالح، وتكريس لاحتكار الفُرص.
ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشد خيبتنا حين نرى الفاسدين يُكرَّمون، ويُستدعون ليخطبوا في وجوه الشباب الجدد عن “أفضل الصدقات”، وهم الذين لم يتصدقوا يوماً إلا على أنفسهم. هؤلاء ليسوا روّاد التغيير، بل حُرّاس البوابة التي تمنع التغيير الحقيقي من التسلل إلى الداخل.
لقد تاجروا بكل شيء، بالدم، بالوجع، بالفقر، بالحرمان، تاجروا بأحلام جيلٍ كامل، فجعلوها سلالم يصعدون بها إلى مواقع القرار، ثم يرفسونها حتى لا يصعد غيرهم. إنهم هم النظام، وهم المعارضة، وهم الثورة، وهم الدولة العميقة.
فمن لنا بجيل جديد يخلع عن هؤلاء عباءة القداسة الزائفة؟
ومن لنا بنخب لا تتهرب من ظلها كلما غابت عنها الكاميرا؟
ومن لنا بشباب لا تصنعهم السفارات، ولا ترعاهم المنظمات، ولا تطوّعهم السلطة؟
الفساد في اليمن لم يعد في المؤسسات فحسب، بل سكن النفوس وتغلغل في العقول التي تحسن لبس قناع التغيير، بينما تدس خنجراً في خاصرته. سحقاً لهم، ولحربهم النعيمة التي تُدار بعقولٍ ناعمة وأيادٍ ملوّثة.
🔗 رابط مختصر: