google.com, pub-3455913717300994, DIRECT, f08c47fec0942fa0

صدى الواقع اليمني – كتب: يوسف اليامي



كيف يغمض عينيه من كان مَأواه خنجرًا؟
كيف يهدأ قلبه ومن سقفه تساقطت الخيبات؟
كيف يطمئن، والنشيد الوطني نفسه صار صفعةً على وجه ذاكرته؟
أنام؟
والطرقات التي مشيتُها حافيًا بالأمل، تحوّلت إلى شوارع باردة تلفظني كالغريب؟
أنام؟
وقد رأيت وجه أمي يبكي ذات نشرة أخبار، حين أدركت أن الأرض التي أنجبتني… ترفضني.

الوطن ليس مكانًا فقط، الوطن شعور.
وعندما يخذلك شعورك، أين تذهب؟
حين تصبح الذكريات سجناً، والمستقبل منفى، والماضي متاهة، أي ليل يكفيك لتنسى؟
يقولون: “نم، غدًا أجمل.”
لكن ماذا لو كان الغد نفسه من نسل هذا الوطن؟
ماذا لو كان الغد يحمل الاسم ذاته الذي نحمله على هويتنا، ويطعننا باسمه؟

كيف ينام من جرحه وطن؟
من لا يكتب اسمه في قوائم الشهداء، ولا يجد اسمه في قوائم الحياة.
من يعيش بين رصاص لا يُطلق، لكنه يفتك بالروح.
رصاص يأتي من النظرات، من الوعود الكاذبة، من شعاراتٍ جوفاء، من انتظارٍ ميت.

أنا لست غريبًا عن وطني، بل وطني هو الغريب عني.
كبرتُ وأنا أظنّه لي، فإذا به يضيق بي.
آمنت أنه البيت، فإذا به الجدار الذي اصطدم به في كل مرة أركض نحو الحلم.
تعلّقت بأغانيه وأنا طفل، فإذا بها الآن تُدمي أذنيّ كلما سمعتها…
كأنها تبكي لا تُغنّي، كأنها تنزف لا تطرب.

هل جربت أن تُنكر وطنك؟
أن تخجل من جواز سفرك؟
أن تخفي لهجتك خوفًا من أن تُدان بتهمة الانتماء؟
هل جربت أن تحب وطنك رغم كل شيء، ثم تكتشف أن حبك هذا ضربٌ من الانتحار؟
هل جربت أن تقول “أنا من هناك” ثم تنظر للبعيد حتى لا تبكي؟

أنا لم أُطعن من غريب، بل من الذي ناديت باسمه حين خفت، حين جُعت، حين تهت.
أنا لم أهرب من النار، بل من دفء صار يحرقني.
أعرف رائحة التراب، لكنني لا أجد لي فيه قبرًا حين أموت.
أعرف لون السماء، لكنني لا أجرؤ على رفع رأسي إليها، فقد خذلتني كثيرًا.

كيف ينام من جرحه وطن؟
هل تتخيل أن تغمض عينيك، وصوت المآذن لا يدعوك للصلاة، بل يوقظ فيك الندم؟
هل تتخيل أن تغمض عينيك، وتُلاحقك صور من رحلوا، من هاجروا، من انكسروا، من اختفوا…
وصوت أمك آخر الليل، وهي تقول: “ليش ما رجعت؟”

أنا لست نائمًا، أنا أتنفس الألم.
كل لحظة تمرّ، هي وطن آخر يتكسر داخلي.
كل ذكرى، كل اسم شارع، كل صورة قديمة، هي طلقة.
أنا مليء بالشظايا…
لكنني أمشي. أكتب. أتنفس.
لعل الكتابة وطن لا يطردني.
لعل الحرف مأوى لا يتآمر عليّ.
لعل الصمت، حين يشتد، يصرخ نيابة عني.

كيف ينام من جرحه وطن؟
ربما لا ينام.
ربما يتظاهر بالنوم كي لا يُجنّ.
ربما يكتب، كما أفعل الآن، حتى لا ينهار.

🔗 رابط مختصر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *