صدى الواقع اليمني – كتب: يوسف اليامي



لا أدري أي لعنةٍ حلّت بهذا البلد، ولا أدري إن كان ما نعيشه اليوم هو حلمٌ ثقيل أم كابوسٌ طويل لا يُريد أن ينتهي.
سعر الصرف اليوم يلامس 716 ألفًا.. وكأنّ الأرقام لم تَعد تعني شيئًا، وكأنّ الريال اليمني قرر أن يلفظ أنفاسه الأخيرة دون أن يُقيم له أحد جنازة تليق بتاريخ وطن.

كنا نحلم بمستقبلٍ نعيشه لا ننتظره.. بمستقبل نخطّه بأيدينا لا يُفرض علينا فرضًا.
لكننا اليوم نبيع أحلامنا على أرصفة الوجع، ونقايض رغيف الخبز بكرامتنا، ونتعلم لغة البقاء في وطنٍ أرهقنا حتى التعب.

نحن لا نعيش فقرًا فقط، بل نعيش موتًا اقتصاديًا بطيئًا.
كل يوم يمر، تزداد الأسعار وتقل القدرة، ترتفع الأرقام وتنخفض الأرواح، نرى الناس يتحولون إلى أشباحٍ تبحث عن لقمةٍ بلا ذل، عن كرامةٍ بلا دموع، عن غدٍ لا يُشبه هذا اليوم الأسود.

هل نحن في طريقنا إلى المليون؟
نعم.. وربما إلى ما هو أبعد من المليون، حين لا يصبح للعملة معنى، ولا للراتب قيمة، ولا للجهد نتيجة.

لكن السؤال الأهم: كيف وصلنا إلى هنا؟
كيف تحوّلت البلاد التي كانت تُصدر البن والبخور وتغني للتاريخ، إلى خرابة اقتصادية لا يطيب فيها العيش؟
من باع هذا الوطن؟
من سرق الأمل من أعين أطفاله؟
من جعل من الشعب رقماً في سجلات الجوعى والمنكوبين؟
من حوّل الوطن إلى ورقة مساومة بين أطراف لا ترى إلا مصالحها؟
من نلوم؟ الجميع؟ أم لا أحد؟

الحرب دمرت كل شيء، لكنها لم تكن وحدها السبب.
الفساد كان حاضرًا قبل الحرب، وكبر في ظلّها، وتوحّش بعدها.
كل مسؤولٍ خان الأمانة كان سببًا.
كل من صمتَ عن الظلم، وساهم في تغذية الانقسام، وسكت عن الفساد، كان شريكًا في هذا الانهيار.
الحكومات المتعاقبة، وتعدد السلطات، وغياب الدولة، واستغلال الدين والسياسة والقبيلة، كلها أشياء دفعتنا إلى هذا المصير.

نحن لا نبحث عن رفاهية، بل عن حياة.
عن بساطة العيش، عن ماءٍ لا نحمل عليه همّ الشراء، عن كهرباءٍ لا تحتاج إلى معجزة، عن وظيفة لا تجعلك عبداً، عن راتبٍ لا يتبخر قبل أن تستلمه.

صرنا نعيش على التبرعات والمنظمات، وصرنا نُقايض كرامتنا بالمساعدات.
كبر أطفالنا وهم لا يعرفون وجبة كاملة.
مات مرضانا لأنهم لا يملكون ثمن دواء.
تخرج شبابنا من الجامعات ليبيعوا الماء، أو يغادروا البلاد في قوارب الموت، أو يعلقوا بين فقرٍ قاتلٍ وذلٍّ مدقع.

هل من حل؟
الحل يبدأ حين تُعاد للوطن هيبته.
حين يتوقف العبث، وتُرفع الأيادي العابثة، ويعلو صوت العقل فوق صوت البندقية.
حين تتوحّد الكلمة، وتُبنى الدولة لا تُهدم، حين يعود الإنسان اليمني إلى مقدمة الأولويات لا مؤخرة الشعارات.

لكن حتى ذلك اليوم.. سنبقى نعدّ الأرقام، نرصد صعود الدولار، وننتظر “المليون” وكأنه خبر عادي في نشرات الأخبار.

يا وطني، كم تحمّلنا لأجلك، فهل ستنقذنا؟
أم ستتركنا نغرق أكثر؟
هل هناك من يسمع أنين هذا الشعب؟
أم أن صوتنا قد تاه بين دخان الحرب وصفقات المتحاربين؟

نحن على حافة الانهيار..
بل نحن في قعره..
ننزف، ولا من يمسح الجرح.
نموت ببطء، ولا من يمدّ يده لينقذنا.
صرخنا، بحت أصواتنا، ولا من يسمع.

لكننا، رغم كل شيء، ما زلنا نحب هذا الوطن.
ليس لأنه يمنحنا شيئًا.. بل لأننا نعرف أنه ليس هو من خاننا، بل من تاجروا باسمه.



🔗 رابط مختصر:

اترك رد