صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
تترقب الأوساط الدولية، والعالم بأسره، رد فعل طهران على الضربات الأمريكية التي استهدفت مواقعها النووية. هذا التطور الخطير، الذي أصبح حديث الساعة في جميع وسائل الإعلام، يدفع بالمنطقة نحو شفير الهاوية، مثيرًا مخاوف جدية من اتساع رقعة الصراع. الصحف العالمية، في جولتها اليومية، ركزت بشكل مكثف على هذا التصعيد، مستعرضة تحذيرات إيرانية شديدة اللهجة لدول الخليج بشأن استثماراتها الضخمة في الخزانة الأمريكية، ومتسائلة عن مدى إمكانية انجرار واشنطن إلى حرب أوسع نطاقًا. كما لم تغفل الصحف عن انتقاد ما وصفته بالتناقض الصارخ في مواقف السياسيين الغربيين، الذين يبدو أنهم يتعاملون مع الأزمة بمنطق الإدارة وليس الحل الجذري.
طهران تحذر الخليج: “الحقيقة المرعبة” وتهديدات بدفع “ثمن الدمار”
في مقال افتتاحي ناري نشرته صحيفة “طهران تايمز”، صدر تحذير إيراني صريح وشديد اللهجة لدول الخليج العربي بشأن استثماراتها الكبيرة في سندات الخزانة الأمريكية. المقال، الذي عنون بـ”الحقيقة المرعبة”، زعم أن هذه الاستثمارات تشكل العمود الفقري للحملة العسكرية الأمريكية ضد طهران. وبعبارات لا تخلو من التهديد، حثت الصحيفة تلك الدول على “الانسحاب قبل فوات الأوان”، مؤكدة أن عدم الانسحاب سيجعلها تدفع “ثمن الدمار” الناتج عن أي تصعيد.
الصحيفة الإيرانية لم تكتفِ بالتحذير العام، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بترجيحها لاستهداف “شرايين الحياة الاقتصادية والأصول الاستراتيجية لمن ساهموا في الحرب”. وحذرت بشكل خاص المؤسسات المالية الخليجية، مشيرة إلى أنها “من أوائل من سيدفعون الثمن” إذا ما استمرت في تمويل ما وصفته بـ”الحرب الأمريكية”. وبحسب “طهران تايمز”، فإن هذه الدول “مولت هذه الحرب من خلال حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية”، سواء تم ذلك عبر صناديق الثروة السيادية الضخمة، أو البنوك المركزية، أو حتى شركات الاستثمار الخاصة.
المنطق الإيراني، كما عبرت عنه الصحيفة، يرى في دول الخليج “شركاء ماليين” في حرب لا تهدد فقط الأمن الإيراني، بل “تُهدد أمن دولهم واقتصاداتها وشعوبها”. وتذهب الصحيفة إلى القول إن مليارات الدولارات التي استثمرتها هذه الدول في الخزانة الأمريكية قد “دعمت بشكل مباشر” الأسلحة، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية العسكرية التي تستخدم حالياً لضرب الأهداف الإيرانية. هذه اتهامات خطيرة، تشير إلى أن طهران قد تعتبر هذه الاستثمارات شكلاً من أشكال الدعم المادي للعمليات العسكرية ضدها.
لإضفاء المزيد من الوضوح على تهديداتها، خصصت الصحيفة الإيرانية أجزاء من مقالها لتحديد أسماء دول بعينها، وهي: الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، دولة الكويت، دولة قطر، ومملكة البحرين. هذا التحديد يشير إلى أن طهران لديها تصور واضح عن الأطراف التي تعتبرها مساهمة في هذا التمويل.
المقال بدأ تفصيله بالتركيز على الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى أن تحالف أبو ظبي مع واشنطن لا يقتصر على الدبلوماسية فحسب، بل أصبح يشمل أيضاً ما وصفه بـ”المجهود الحربي المشترك”. وأوضح المقال أن أبو ظبي تمتلك أكثر من 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية، وهي أموال، بحسب الصحيفة، قد “ساعدت في تمويل تطوير الذخائر الموجهة بدقة، وطائرات الشبح، وحاملات الطائرات البحرية المنتشرة الآن في الخليج”. هذا الربط المباشر بين الاستثمارات والدعم العسكري يهدف إلى إظهار أن هذه الأموال ليست مجرد استثمارات مالية بحتة، بل هي جزء لا يتجزأ من الآلة العسكرية الأمريكية.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وصفتها الصحيفة الإيرانية بأنها “أحد أكبر الممولين الأجانب للديون الأمريكية، بما يقدر بنحو 126 إلى 130 مليار دولار”. ولم يكتفِ المقال بهذا الرقم، بل ذهب إلى التحذير من أن البنك المركزي السعودي “قد يجد نفسه الآن في مرمى ضربات انتقامية”. وأضاف أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي “يرتبط بعلاقات وطيدة” مع البنتاغون، مدعياً أنه “دعم منذ فترة طويلة” العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، التي تستهدف بشكل خاص الجماعات المدعومة من إيران مثل حزب الله والحوثيين. هذه النقطة تهدف إلى إظهار أن السعودية ليست فقط ممولاً، بل طرفاً فاعلاً في استهداف حلفاء إيران.
أما دولة الكويت، فقد وضعتها الصحيفة في بؤرة الخطر بشكل مباشر، قائلة إن بنكها المركزي يمتلك 49 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية. هذا الرقم، وإن كان أقل من الدول الأخرى، إلا أنه يعكس استثمارًا كبيرًا يضعه المقال في دائرة الاستهداف المحتمل.
وفيما يخص قطر والبحرين، أشارت الصحيفة إلى أنهما تحتفظان “بمراكز استراتيجية” في الأوراق المالية الحكومية الأمريكية، “على الرغم من أن تخصيصاتهما الدقيقة لا تزال أقل شفافية”. هذه العبارة توحي بأن طهران تعتقد أن هناك استثمارات كبيرة من هاتين الدولتين، حتى لو لم تكن الأرقام الرسمية متاحة للعلن.
لم يقتصر التحذير الإيراني على المؤسسات الحكومية والسيادية، بل امتد ليشمل أيضاً المؤسسات المالية الخليجية غير الحكومية التي تخصص رؤوس أموالها لسندات الخزانة الأمريكية كجزء من استراتيجياتها لإدارة السيولة والمخاطر. وذكر المقال على سبيل المثال لا الحصر: “دبي إنترناشونال كابيتال”، و”البنك الأهلي المتحد البحريني”، و”مصرف الراجحي السعودي”، و”بنك آيه بي سي (ABC) البحريني”. هذا يشير إلى أن طهران ترى شبكة واسعة من المؤسسات المالية التي يمكن أن تكون جزءًا من هذا “التمويل”.
الأكثر إثارة للقلق في المقال هو تركيزه على كيانات وأفراد محددين، والتي تعد، في نظر الصحيفة، “هدفاً ذا قيمة عالية في أي تصعيد”، وعليهم “اتخاذ إجراءات فورية”. هذه الكيانات تشمل: “جهاز أبوظبي للاستثمار” و”شركة مبادلة للاستثمار” وشركة “ريالايز” للتكنولوجيا المالية في الإمارات، وكذلك “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”، و”جهاز قطر للاستثمار”. هذا التحديد الدقيق للأهداف المحتملة يعكس مستوى من التحليل والتهديد المباشر.
إلى جانب الكيانات الخليجية، حذرت الصحيفة الإيرانية أيضاً مؤسسات دولية كبرى مثل “ستيت ستريت” و “بلاك روك”، متهمة إياهما بأنهما “تمكنان مستثمري الخليج من الوصول إلى سندات الخزانة الأمريكية، مما يُحوّلهم فعلياً إلى ممولين مشاركين في الحرب”. هذا التحذير يشير إلى أن طهران قد توسع نطاق ردها ليشمل مؤسسات مالية عالمية إذا ما استمرت في تسهيل هذه الاستثمارات.
في الختام، حث المقال على ضرورة الانسحاب الفوري من أسواق سندات الخزانة الأمريكية، من خلال تجميد الاستثمارات في الأوراق المالية الحكومية الأمريكية، وتوجيه رأس المال نحو استثمارات آمنة وغير عسكرية. هذا الطلب يمثل محاولة إيرانية للضغط على دول الخليج لسحب استثماراتها من الولايات المتحدة، بهدف تقويض الدعم المالي الذي تعتبره طهران عاملاً أساسياً في استهدافها.
واشنطن بوست: حرب لا خيار فيها وتساؤلات حول “خطة اليوم التالي”
بالانتقال إلى الضفة الأخرى من النزاع، تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في مقال افتتاحي لها التساؤلات الملحة حول نهاية الهجوم الإسرائيلي على إيران. المقال لم يخفِ مخاوفه من احتمال أن تؤدي هذه الهجمات إلى نتائج عكس ما هو مأمول، وهو ما يُثير قلقاً كبيراً في الأوساط السياسية والأمنية الأمريكية.
في بداية تحليلها، أشارت الصحيفة إلى أن معظم المؤشرات الأولية توحي بأن الهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني وقيادته العسكرية كان “نجاحاً باهراً”. ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن هذا النجاح الظاهري يثير “العديد من الأسئلة التي لا تجد لها إجابة”، ويولّد “مخاوف طويلة الأمد بشأن ما قد يحدث لاحقاً”، خاصة فيما يتعلق بمدى إمكانية انجرار واشنطن إلى حرب ليست من اختيارها. هذا التحذير يعكس قلقاً أمريكياً حقيقياً من الانزلاق إلى صراع إقليمي أوسع وأكثر تعقيدًا.
تعتمد هذه المخاوف، بحسب المقال، على عدة عوامل “لا تزال مجهولة في معظمها حتى الآن”. من بين هذه العوامل، تُبرز الصحيفة مدى استمرار قدرة طهران على بناء أجهزة طرد مركزي متطورة، وإمكانية وجود مواقع نووية أخرى خفية مدفونة في أعماق الأرض، مثل منشأة فوردو. هذه الشكوك تعكس عدم اليقين بشأن مدى النجاح الحقيقي للضربات الإسرائيلية في تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم.
تطرح “واشنطن بوست” سيناريوهات محتملة لما بعد الضربات الإسرائيلية، مشيرة إلى أنه في أعقاب هذه الهجمات، قد تُقرر إيران تسريع إنتاج أجهزة الطرد المركزي. ليس هذا فحسب، بل قد تُقرر طهران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أو طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما سيجعل من الصعب جداً مراقبة أنشطتها النووية. هذا السيناريو، بحسب المقال، يجعل في إمكان طهران “إخفاء برنامجها النووي بالكامل”، وقد يُعزز الهجوم الإسرائيلي عزم إيران على تطوير سلاح نووي “كرادع ضد هجمات مُستقبلية، ولكن هذه المرة بسرية أكبر”. هذا التطور إذا حدث، سيشكل تحديًا كبيرًا للأمن الإقليمي والدولي.
علاوة على ذلك، تُشير الصحيفة إلى أن الضربات الإيرانية قد لا تحقق هدفها المتمثل في زعزعة استقرار النظام الإيراني، بل على العكس، قد تؤدي إلى حدوث “دعم قومي” للنظام، مما يعزز موقفه بدلاً من إضعافه. هذا السيناريو يعني أن الهجمات قد تأتي بنتائج عكسية تماماً لما كان متوقعاً.
من ناحية أخرى، يُبرز المقال “نقصاً في الشفافية” فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة في الغارة الاستباقية الإسرائيلية ضد طهران. هذا النقص في الشفافية يتجلى بشكل خاص في التناقض بين “تباهي” الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي ألمح إلى معرفته المسبقة أو حتى تورطه في الهجمات، وتصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو التي أكدت أن واشنطن لم تكن متورطة وأن إسرائيل تصرفت بشكل منفرد. هذا التضارب في التصريحات يهدف، على ما يبدو، إلى درء أي رد انتقامي إيراني ضد الأصول الأمريكية في المنطقة، لكنه يثير تساؤلات حول مدى مصداقية الرواية الرسمية.
وعلى الرغم من أن المقال يرى أن إسرائيل شنّت هجومها “في اللحظة المناسبة”، إلا أنه يعرب عن قلقه العميق من الغموض الذي يكتنف “خطة اليوم التالي” ونطاق التدخل الأمريكي المحتمل. هذا الغموض يزيد من حالة عدم اليقين ويزيد من احتمالات الانزلاق إلى صراع غير مخطط له.
في ختامه، حث المقال الرئيس الأمريكي على أن ينأى ببلاده عن إرسال قوات أمريكية إلى “حروب أبدية” في الشرق الأوسط، وأن يقاوم الانجرار إلى حرب جديدة. هذا النداء يعكس رغبة في تجنب تكرار أخطاء الماضي والابتعاد عن المزيد من المغامرات العسكرية في منطقة تشهد بالفعل اضطرابات هائلة. المقال يؤكد على ضرورة أن تتعلم واشنطن من تجاربها السابقة وتجنب الانخراط في صراعات لا تصب في مصلحتها الوطنية.
الغارديان: السياسيون الغربيون “يديرون أزمة” بدلاً من مواجهة “الواقع الدموي”
في تحليل نقدي لاذع، تناولت الكاتبة نسرين مالك في صحيفة “الغارديان” البريطانية الفجوة المتسعة بين خطاب السياسيين الغربيين، الذي يرى أن حرب الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران “أزمة يجب إدارتها”، وبين “اتساع الواقع الدموي” في المنطقة. هذا النقد اللاذع يشير إلى انفصال بين التصريحات السياسية والواقع الميداني، مما يثير تساؤلات حول جدية وفاعلية المواقف الغربية.
تُؤكد الكاتبة أن رد الفعل من الأحزاب الليبرالية السائدة منذ بدء الحرب على غزة كان ضعيفاً، بل و”مناقضاً تماماً لخطورة اللحظة”. وتتهم هؤلاء السياسيين بـ”خلط الأوراق وإعادة استخدام خطابهم القديم”، مدعية أنهم يخضعون لإسرائيل والبيت الأبيض اللذين “فقدا صوابهما منذ زمن طويل”. هذا الاتهام يشير إلى أن المواقف الغربية ليست مبنية على مبادئ ثابتة، بل على تبعية سياسية.
سلط المقال الضوء على تناقضات واضحة في تصريحات بعض القادة الغربيين. على سبيل المثال، أشارت الكاتبة إلى دعوة رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى خفض التصعيد، بمعنى تجنب التدخل الأمريكي، في الوقت الذي يُعزز فيه وجود القوات البريطانية في الشرق الأوسط. هذا التناقض بين الدعوة إلى خفض التصعيد وتعزيز الوجود العسكري يثير علامات استفهام حول جدية الدعوات للسلام.
وأضاف المقال تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أكدت على أهمية الدبلوماسية، لكنها أكدت في الوقت نفسه على أن إيران هي “المصدر الرئيسي” لعدم الاستقرار في المنطقة. هذا الموقف المزدوج، الذي يجمع بين الدعوة للدبلوماسية وتحديد طرف واحد كمسؤول عن عدم الاستقرار، يعكس تعقيداً في الموقف الأوروبي.
أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فقد انضم، بحسب الكاتبة، إلى “الجوقة الداعية إلى خفض التصعيد وضبط النفس بعبارات عامة غامضة”، وذلك بعد أن كان يحذر من الفوضى الحتمية التي قد يسببها تغيير النظام في إيران وتكرار أخطاء الماضي. هذا التغير في المون يعكس على ما يبدو محاولة للتكيف مع المستجدات دون التزام بموقف ثابت.
أعربت نسرين عن رأيها الصريح بأن الحرب في إيران “سيئة للغاية”، موضحة أنها تنذر بسيناريوهات مُزعزعة للاستقرار. وتشمل هذه السيناريوهات تغيير النظام دون خطة واضحة لليوم التالي، أو حشد قوات عسكرية غربية في المنطقة، مما قد يُصبح “أهدافاً وبؤر اشتعال”. وحذرت من أن ذلك قد يؤدي إلى حرب استنزافٍ مُطولةٍ في المنطقة، “تُفتح جرحاً مُتقيحاً واسعاً من الغضب والعسكرة”، ناهيك عن تهديد حياة مئات الأبرياء، و”عدم قانونية” هذا الأمر برمته بسبب المخاطر المُحدقة. هذه التحذيرات تُشير إلى أن الكاتبة ترى في التدخل العسكري الغربي وصفة لكارثة.
ومع كل هذه المخاطر، فإن مُعظم القادة الغربيين، بحسب الكاتبة، لا يزالون يتعاملون مع الأحداث على أنها “مجرد فصلٍ آخر من فصول حقائق العالم المُؤسفة، التي ينبغي التعامل معها”. هذا الموقف يعكس، من وجهة نظرها، حالة من اللامبالاة أو عدم القدرة على استيعاب حجم الكارثة المحتملة.
وانتقدت المقال المؤسسة السياسية، ممن وصفتهم نسرين بـ”أمناء الاستقرار الليبراليين الموثوق بهم ظاهرياً”، الذين ترى أنه لا يتمتعون ببوصلة أخلاقية، ولا يهتمون بالمعايير التي يزعمون باستمرار دعمها. وقالت إنهم كانوا شهوداً على انتهاك القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان مراراً وتكراراً في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والآن إيران، “وكان ردهم هو الابتعاد عن طريق إسرائيل في أحسن الأحوال، وتسليحها وتزويدها بغطاء دبلوماسي في أسوأ الأحوال”. هذا النقد يشير إلى أن المعايير الغربية ليست مطبقة على الجميع بنفس القدر، وهو ما يقوض مصداقية الغرب.
واستنكر المقال انسياق الحكومات الأوروبية وراء موقف الإدارة الأمريكية منذ عهد جو بايدن فيما وصفته الكاتبة بـ”التشبث الجماعي بالوضع الراهن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل”. وأضافت الكاتبة أن الحكومات الغربية حطمت بذلك الأعراف القانونية والأخلاقية التي منحتهم أي قدر من النزاهة أو السلطة، وأن اللحظة الراهنة كشفت عن “زمرة من الأنظمة غير مؤهلة أساساً للأزمات، لا تصلح إلا للإدارة؛ مجموعة من السياسيين ليس دورهم إعادة التفكير في طريقة سير الأمور أو تحديها، بل ببساطة توجيه الحركة الجيوسياسية”.
إن تحقيق الاستقرار في نظر أولئك الساسة، بحسب مقال الغارديان، هو “تثبيت نظام عالمي قائم على افتراضات وتسلسلات هرمية فاشلة”. فبدلاً من سعيهم نحو عالم أفضل، بات دورهم “إضفاء غطاء من المصداقية على ضرورة أن نعيش في هذا العالم الأسوأ”. هذه الرؤية تُشير إلى أن السياسة الغربية تهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم.
وساقت الكاتبة مثالين يوضحان تناقض السياسة الغربية الصارخ؛ فإيران، في نظر المؤسسة الليبرالية، دولة لا تتمتع بسيادة كاملة أبداً لأنها انحرفت عن المصالح الغربية. وليس لها حق الرد عند تعرضها للهجوم، بل عليها التحلي بضبط النفس. أما إسرائيل، فهي دولة ذات سيادة عظمى، وليست مُذنبة أبداً. وصفت الكاتبة هذا الموقف بأنه “نفاق” مفضوح في نظرته للعالم، يستخف بالحياة البشرية ويُمثل “تآكلًا هائلاً” في تعقيد الخطاب السياسي، و”انحداراً جديداً” في ازدراء الجمهور. هذا النقد الجذري يضع السياسة الغربية تحت المجهر، ويتهمها بازدواجية المعايير.
تداعيات الصراع: مستقبل غامض للمنطقة
يتضح من هذه التحليلات أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة للغاية، حيث تتداخل المصالح الجيوسياسية مع التوترات الإقليمية التاريخية. التحذيرات الإيرانية لدول الخليج، وتساؤلات “واشنطن بوست” حول احتمالية حرب أوسع، وانتقادات “الغارديان” للموقف الغربي، كلها ترسم صورة لمستقبل غامض ومحفوف بالمخاطر.
إذا ما استمر التصعيد، فإن السيناريوهات المحتملة تتراوح بين حرب إقليمية شاملة قد تجر قوى عالمية، أو صراع استنزاف طويل الأمد يؤثر على الاقتصاد العالمي واستقرار المنطقة. تظل القضية المحورية هي كيفية احتواء هذا التصعيد ومنع تحوله إلى كارثة إنسانية واقتصادية.
هل ستُعيد دول الخليج تقييم استثماراتها في الخزانة الأمريكية استجابة للتهديدات الإيرانية؟ وهل ستتعلم واشنطن من دروس الماضي وتتجنب الانجرار إلى “حروب أبدية”؟ والأهم من ذلك، هل سيتغير الخطاب الغربي ليصبح أكثر اتساقًا مع “الواقع الدموي” على الأرض، أم سيستمر في “إدارة الأزمة” بدلاً من البحث عن حلول جذرية تضمن الأمن والاستقرار للجميع؟ هذه التساؤلات هي ما ستحدد مصير المنطقة في الأيام والأسابيع القادمة.،