صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي
في مشهد يعجز عنه خيال الشعراء، ويقصر دون وصفه بيان الأدباء، رأينا النظام الإيراني وهو يسدد فاتورة ظلمه دفعة واحدة، لا على دفعات كما اعتاد أن يُقسّط مآسيه على الشعوب. رأيناه صاغراً، مكسور الجناح، مدحوراً في كِبره، تائهاً في جباله التي ما عادت تحميه، متوجساً من نسائه، ومن نفسه، ومن ظله. رجال خامنئي – أولئك الذين ملأوا أرض اليمن ناراً ودخاناً – صاروا أشلاءً ممزقة، لا يعرفون للفرار وجهاً ولا للجبل مفرّاً.
إنها لعنة المظلوم إذا رفع يديه إلى السماء، حين بكت سيدة يمنية قبل أعوام وهي تقول: “الله يجعلكم مشردين في الجبال.”، فاستجاب القدر لدموعها، وتربصت السنن بمن ظلمها، وها هو أول المشردين، الوليّ الفقيه نفسه، يتخبط في غياهب الرعب، لا يدري من أين تُؤتى الضربة.
نشرت واشنطن بوست تقريراً لا يشبه كل ما قبله، تحدثت فيه عن مكالمات مرعبة يتلقاها رجال خامنئي من عملاء الموساد، بلغتهم، وفي منازلهم، وسط أسرهم، تقول الرسائل: “غادر خلال 12 ساعة، نحن أقرب إليك من حبل الوريد.” بل وأكثر من ذلك، يصل الإنذار أحياناً على لسان الزوجات، وعلى هواتف الأبناء. ما عاد لهم مأمن، فالأرض تلفظهم، والسماء لا تفتح أبوابها لدعائهم.
هذه ليست فقط حرباً استخباراتية، بل رسالة كونية: كل من تبجّح بالدم، واغتسل من أرواح الآخرين، سيُغرقه دمه ذات يوم.
في قُرانا، دخل رجال عبدالملك الحوثي، حفدة الملالي، بأحذية الموت، يفخخون بيوت الشيوخ، ويفجرونها أمام العيون، يصرخون: “الموت لأمريكا”، بينما سفن إيران تفرغ حمولاتها من السلاح والبارود في موانئ الحديدة والصليف. درّبهم الإيرانيون على فنون الذبح لا السياسة، على الإذلال لا الحوار، على تكفير الآخر لا بناء الوطن. لم يكن في اليمن بيتٌ إلا وتسرّب إليه ظلام فارس، فغدا اليمني يستجدي الحياة من خندق، أو من غيمة لا تمطر إلا دماء.
كان عبدالملك أداة، لا زعيمًا، وكان المشروع الهاشمي المنوي – القائم على احتقار اليمني باسم النسب – مجرد واجهة لاحتلال فارسي مموّه. فحين تقرأ سلوك الجماعة لا تجد مشروع دولة، بل ثأراً عمره ألف عام، يخرج من بطون كتب الطين ليطفئ شموع اليمن الحديث.
ها هي إيران تُسقى من ذات الكأس التي سقت بها العرب. اغتالت، شرّدت، غذّت الفتن، أشعلت الحروب بالوصايا لا بالجيوش، وها هي اليوم تُجلد، على الملأ، بأسلوبها ذاته. لا حرب شاملة، بل استنزاف بطيء، قصف لا يعلن، اغتيالات لا تنتهي، انهيارات داخلية تأكل جسدها قطعةً قطعة. باتت طهران أرضاً مفتوحة أمام فنتازيا الدمار في العقل الصهيوني، تقصف إسرائيل، ثم تبكي وحدها بين الأطلال.
هل تذكرون شعارات النصر؟ أبطال إيران في سوريا واليمن والعراق، الذين كانت فضائياتهم تحتفي بهم؟ معظمهم في عداد الموتى أو الفارين، وأما خامنئي، شيخ الشر، فبات ذابلاً كمن ذاق السم، يراقب انحدار مشروعه الكبير وهو على حافة قبره، وقد بلغه أرذل العمر.
لا شيء أشد فتكاً من دعوة المظلوم. لا يحتاج سلاحاً، لا يحتاج تحالفاً، يرفع يده وهو مطمئن أن الله يسمع، وقد سمع. المرأة اليمنية، التي لم تكن تملك شيئاً إلا دموعها، كانت أقوى من أجهزة الرصد، من الطائرات، من المؤتمرات، من الخطب. قالت من قلبها: “الله يجعلكم مشردين في الجبال.” وها هم لا يجدون جبلاً ولا مأوى.
ما نشهده اليوم ليس نهاية النظام الإيراني فحسب، بل انهيار الفكرة التي قامت عليها جمهورية الملالي: تصدير الثورة، الهيمنة الطائفية، التوسع بالموت والتكفير. إنها لحظة سقوط الطغيان تحت أقدام الزمان، حين ينقلب سحر الخراب على الساحر. وما أكثر الآيات في ذلك، وما أكثر الذين ينتظرون ساعة القصاص.
سيموت خامنئي، لكنه لن يرحل خفيفاً. سيموت وهو يشعر أن حلمه قد صار ركاماً، وأن دماء اليمنيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين، قد طوقته من كل الجهات. سيموت واللعنة التي أطلقها المظلومون لا تزال