صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
تتجه الأنظار مرة أخرى نحو الشرق الأوسط، حيث تتشابك خيوط الصراع الإقليمي مع تحولات المشهد الجيوسياسي العالمي. فبعد فترة من التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، والتي تخللتها ضربات متبادلة وتدخلات دولية، تبرز مخاوف إسرائيلية جديدة تتعلق بإمكانية حصول طهران على طائرات مقاتلة صينية متطورة. هذا التطور، الذي كشفت عنه صحيفة “إسرائيل هيوم”، لا يعكس مجرد قلق عسكري، بل يشير إلى أبعاد أعمق تتعلق بتغير موازين القوى الدولية، وصعود قوى جديدة تسعى لكسر الهيمنة الأمريكية، وتداعيات ذلك على أمن منطقة الشرق الأوسط والعالم.
التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران: حرب غير تقليدية وكواليس سياسية
شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدًا حادًا بين إسرائيل وإيران، تحول إلى حرب جوية استمرت 12 يومًا، بدأت في 13 يونيو 2025. هذه الحرب لم تكن تقليدية في طبيعتها، حيث تضمنت استهداف مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية، بالإضافة إلى اغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين. ردت طهران على هذه الضربات باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
الكواليس السياسية لهذه الأحداث معقدة ومتشابكة. فإسرائيل، بدعم أمريكي واضح، استهدفت ما تعتبره تهديدًا نوويًا إيرانيًا، وهو ما تنفيه طهران مؤكدة أن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط. هذا الصراع، الذي يمتد لعقود، وصل إلى ذروة جديدة مع استخدام الولايات المتحدة لقنابل خارقة للتحصينات من نوع GBU‑57 وصواريخ توماهوك من غواصة في الخليج لاستهداف منشآت إيرانية في فوردو، نطنز، وأصفهان في 22 يونيو 2025. الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصف العملية بأنها “تدمير كامل”، مؤكدًا أن المواقع الإيرانية لم تُخل قبل الضربة، وهو ما يعزز الرواية الأمريكية بنجاح العملية. ورغم تقليل طهران من حجم الخسائر، فإن مسؤولين أمريكيين أكدوا عدم وجود دليل على قيام إيران بنقل اليورانيوم أو إخلاء المواقع المستهدفة.
هذا التصعيد دفع واشنطن للتدخل مجددًا، معلنة في 24 يونيو 2025 عن وقف لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران، في محاولة لاحتواء التداعيات التي قد تؤثر على استقرار المنطقة والعالم. يعكس هذا التدخل الأمريكي رغبة في إدارة الصراع ومنعه من الخروج عن السيطرة، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وتفوق حلفائها في المنطقة.
مخاوف إسرائيلية من “J-10C” الصينية: تحول في موازين القوى الجوية
في خضم هذه التطورات، برز قلق إسرائيلي بالغ من احتمال حصول إيران على طائرات مقاتلة صينية متطورة من طراز J-10C. هذا القلق ليس جديدًا، فقد فكرت إيران سابقًا في توقيع صفقة شراء كهذه مع الصين، لكن بكين فضلت عدم إثارة غضب واشنطن واختارت الامتثال لحظر الأسلحة المفروض على إيران.
إلا أن “إسرائيل هيوم” تشير إلى أن النتائج “المدمرة لعملية الأسد الصاعد” (الاسم الذي أطلقته إسرائيل على حملتها الجوية ضد إيران) على سلاح الجو الإيراني قد تدفع الصين لإعادة النظر في قرارها. فبعد أن تكبدت إيران خسائر كبيرة في منشآتها وقدراتها الجوية، أصبحت حاجتها لمقاتلات حديثة أكثر إلحاحًا، وهو ما قد يفتح الباب أمام بكين لتزويد طهران بهذه الطائرات.
ما يزيد من قلق إسرائيل هو الأداء الذي أثبتته طائرات J-10C الباكستانية في الصراع الأخير بين الهند وباكستان، حيث تمكنت من إسقاط العديد من طائرات رافال الفرنسية الصنع، والتي تُعتبر من أكثر المقاتلات تقدمًا وكفاءة في أوروبا. هذا الأداء، الذي اعتمد على صواريخ PL-15 متوسطة وطويلة المدى، يُظهر القدرات القتالية العالية للطائرة الصينية.
المثير للاهتمام، كما تشير الصحيفة، هو أن العديد من التقارير على مر السنين ربطت بين تصميم تشنغدو J-10C وطائرة “لافي” الإسرائيلية، التي توقف تطويرها عام 1987 تحت ضغط أمريكي. ورغم نفي إسرائيل والصين لهذه الادعاءات، إلا أن تقارير انتشرت في وسائل الإعلام الأمنية العالمية تحدثت عن مهندسين إسرائيليين عملوا على مشروع لافي وباعوا المعرفة عبر قنوات سرية لصناعة الطيران الصينية. هذا الاحتمال يضع إسرائيل أمام سيناريو “مثير للاهتمام” – كما وصفته الصحيفة – بأن تواجه طائرات معادية مصممة جزئيًا في إسرائيل وتحمل الاسم الرمزي “لافي” في الأجواء الإيرانية.
سباق التسلح والبحث عن التفوق الجوي: استراتيجية إسرائيلية مستمرة
في ظل هذه المخاوف، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعليماته للجيش بإعداد خطة تنفيذية تضمن الحفاظ على تفوق إسرائيل الجوي وتمنع تطوير إيران لقدراتها النووية. هذا التوجيه يعكس استراتيجية إسرائيل الدائمة للحفاظ على “التفوق النوعي العسكري” في المنطقة، وهو مبدأ أساسي توجه سياستها الدفاعية.
الخطة التي طالب بها كاتس لا تقتصر على منع إيران من الحصول على الأسلحة، بل تشمل أيضًا “الرد على أي دعم إيراني للأنشطة الإرهابية ضدنا”. هذا يعني أن إسرائيل ترى في أي تعزيز للقدرات العسكرية الإيرانية، سواء من خلال الحصول على طائرات متطورة أو تطوير برنامجها النووي، تهديدًا مباشرًا لأمنها، وتستعد للتعامل معه بكل الوسائل المتاحة.
سياقات أوسع: الصراع الدولي ومحاولة بزوغ قطب دولي جديد
هذه التطورات في الشرق الأوسط لا يمكن فهمها بمعزل عن سياق أوسع يتمثل في الصراع الدولي ومحاولة بزوغ قطب دولي جديد بقيادة الصين، وما يتبع ذلك من إرهاصات المرحلة وتقويض أمريكا لأي قوة تتجه نحو إنهاء سيطرتها كقطب دولي أوحد.
الأبعاد السياسية:
تُعد الصين قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، وتتحدى بشكل متزايد الهيمنة الأمريكية في مختلف مناطق العالم. تزويد الصين لإيران بطائرات مقاتلة متطورة سيكون رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن بكين لا تلتزم بالكامل بالضغط الأمريكي، وأنها مستعدة لدعم حلفائها الاستراتيجيين. هذا قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين واشنطن وبكين، ويفتح البضاء على مزيد من الاصطفافات الجيوسياسية. من جانب آخر، تحاول إيران استغلال هذا التحول في موازين القوى العالمية لكسر عزلتها الدولية وتعزيز قدراتها الدفاعية، خاصة بعد الضربات التي تعرضت لها.
الأبعاد العسكرية:
إذا حصلت إيران على طائرات J-10C، فإن ذلك سيغير بشكل كبير من طبيعة التهديد الجوي الإيراني. فبينما يعتمد سلاح الجو الإيراني بشكل كبير على طائرات قديمة تعود إلى حقبة ما قبل الثورة، فإن هذه المقاتلات الصينية ستوفر لها قدرات قتالية حديثة، بما في ذلك صواريخ جو-جو بعيدة المدى، مما سيجعل أي مواجهة مستقبلية أكثر تعقيدًا لإسرائيل والولايات المتحدة. هذا قد يؤدي إلى سباق تسلح جديد في المنطقة، حيث تسعى الدول الأخرى إلى تحديث ترساناتها لمواجهة هذا التهديد المحتمل.
الأبعاد الاقتصادية:
صفقات الأسلحة الكبرى لها أبعاد اقتصادية هامة. فبينما تسعى الصين لتعزيز صناعتها الدفاعية وزيادة نفوذها الاقتصادي عالميًا، فإن إيران تبحث عن مصادر جديدة للتسليح لتعويض سنوات من العقوبات والحصار. أي صفقة أسلحة بين البلدين ستكون لها تداعيات اقتصادية على الطرفين، وقد تؤدي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما في مجالات أخرى. في المقابل، قد تفرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية على الصين أو إيران ردًا على مثل هذه الصفقات، مما يزيد من التوترات الاقتصادية العالمية.
الأبعاد الاجتماعية والثقافية:
تؤثر هذه التوترات والحروب على المجتمعات بشكل عميق. فالصراع في الشرق الأوسط يؤدي إلى نزوح الملايين، وتدمير البنية التحتية، وزيادة الفقر. الخوف من التصعيد العسكري يؤثر على الاستقرار الاجتماعي ويولد حالة من عدم اليقين. على المستوى الثقافي، قد تزيد هذه الصراعات من الاستقطاب والخطاب العدائي، مما يعيق جهود بناء السلام والتفاهم بين الشعوب. في المقابل، يمكن أن تظهر حركات مجتمعية وثقافية تدعو إلى السلام ووقف العنف، خاصة بين الشباب الذين يتأثرون بشكل مباشر بتداعيات هذه الصراعات.
الغضب من “العدالة الغائبة” ومستقبل النظام الدولي
يعكس تساؤل الأمير تركي الفيصل حول استهداف منشآت إيران النووية وتجاهل منشآت إسرائيل النووية “العدالة الغائبة” في النظام الدولي. فإسرائيل، على عكس إيران، لم تنضم إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم امتلاكها قنابل نووية. هذا المعيار المزدوج يثير انتقادات واسعة ويقوض مصداقية النظام الدولي القائم على قواعد.
هذا الغضب ليس مقتصرًا على المسؤولين السعوديين، بل يتردد صداه في العديد من الدول التي ترى أن القوى الكبرى تطبق معايير مختلفة على الدول المختلفة، مما يؤدي إلى عدم المساواة والظلم. هذا الشعور بالظلم يمكن أن يغذي التوترات ويشجع الدول على البحث عن بدائل للنظام الحالي.
مستقبل النظام الدولي يبدو أكثر تعقيدًا وتعددية. فمع صعود الصين، وروسيا، وقوى إقليمية أخرى، لم يعد النموذج “القطب الأوحد” بقيادة الولايات المتحدة هو السائد بشكل مطلق. هذا التحول سيؤدي إلى مزيد من المفاوضات والتحالفات المتغيرة، وقد يفتح الباب أمام نظام دولي أكثر توازناً، أو على العكس، يزيد من عدم الاستقرار والصراعات.
تحديات معقدة وآفاق غير مؤكدة
إن مخاوف إسرائيل من حصول إيران على طائرات صينية، في أعقاب الحرب الأخيرة، هي جزء من صورة أكبر تتضمن سباق التسلح الإقليمي، والتحولات الجيوسياسية العالمية، والصراع على النفوذ. فبينما تسعى إسرائيل للحفاظ على تفوقها العسكري، وتعمل الولايات المتحدة على إدارة الصراعات الإقليمية، فإن الصين تسعى لترسيخ مكانتها كقوة عالمية، وإيران تحاول كسر عزلتها وتعزيز قدراتها.
هذه التفاعلات المعقدة تحمل في طياتها تحديات كبيرة، ليس فقط لأمن الشرق الأوسط، بل للنظام الدولي ككل. إن السؤال عن “العدالة الغائبة” في التعامل مع الملفات النووية يشير إلى عمق المشكلة، ويستدعي ضرورة إعادة تقييم شاملة للمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية.
هل ستشهد المرحلة القادمة مزيدًا من التصعيد والاصطفافات الجديدة، أم ستتمكن الدبلوماسية والحوار من احتواء هذه التوترات وبناء نظام دولي أكثر عدلاً واستقرارًا؟ الإجابة على هذا السؤال لا تزال غير واضحة، وتعتمد على خيارات الفاعلين الرئيسيين في هذا المشهد المتغير.
- السلطات المصرية تصادر وتُتلف الجنابي اليمنية وتمنع ارتداءها من قبل المقيمين اليمنيين
- العليمي يعزي أسرة فؤاد الحميري ويشيد بمناقبه الوطنية والإعلامية
- بنك الكريمي في مرمى التصعيد: السوق المالية اليمنية على شفا الانهيار وسط تدهور العملة وتصاعد الصراع السياسي
- التربة.. مدينة الضباب تصرخ وهي تحتضر: لا تقتلونا مرتين
- عاجل | إيران تتوعد بكشف “قدراتها الحقيقية” وتتهم إسرائيل بالاحتماء بأميركا