صدى الواقع اليمني – زكريا المشولي

لم تَسلم الحوالات المالية، آخر ما تبقّى لليمنيين من خيوط الحياة، من قبضة الجماعة الحوثية التي تتفنن في خنق المواطنين اقتصاديًا. فبعد أن كانت مصدر أمل يربط المغتربين بأسرهم، تحوّلت اليوم إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، بل إلى تهمة تستوجب الولاء قبل الاستلام.

جماعة الحوثي، التي أغلقت شركات صرافة وأجبرت أخرى على الانضواء تحت شبكة مالية موحدة تخضع لسيطرتها، رفعت شعار “تنظيم الحوالات”، بينما تخفي في العمق نية احتكار ما تبقى من رمق المواطن.

قرارها الأخير كان صادماً: أي حوالة لم تُستلم خلال ثلاثين يومًا تُصادر تلقائيًا دون إشعار أو تعويض، وتُحوّل إلى حسابات خاصة في البنك المركزي بصنعاء، حيث تبدأ رحلة التلاشي في ظلال الفساد وغياب الشفافية. التقارير تفيد أن تلك الأموال تُستخدم لتمويل حروب الجماعة، وشراء الأسلحة، وتوزيع المكافآت على قادتها.

المواطن اليمني لا يطلب المستحيل، ولا يسعى إلى امتيازات. كل ما يريده هو استلام حوالة قد تنقذ حياة طفل أو تشتري كيس دقيق، لكنه يُعامَل كخصم محتمل حتى يثبت ولاءه المالي.

حتى العملات المشفرة، التي تُحرَّم علنًا وتُستخدم سرًا، دخلت دائرة التجريم والشرعنة وفق مصلحة الجماعة، التي تضرب عرض الحائط بأي نظام لا يصب في خدمتها.

مواطنون عديدون أُهينوا واعتُقلوا فقط لمحاولتهم استلام حوالاتهم من شبكات خارج دائرة “الولاء”، أو عبر وسائل بديلة أفرزها الفقر والحرمان. ومع تصنيف الجماعة لجهات ومنظمات دولية باعتبارها أدوات استخباراتية، أصبح استلام حوالة من الخارج سبباً كافياً للاعتقال أو الاختفاء القسري.

ليست أزمة مالية، بل عملية سطو ممنهجة على ما تبقى من حياة اليمنيين. فالاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة بات سلاحًا مسلطًا، والمواطن الحالم بلقمة أو دواء يُعامَل كخطر داهم.

وإذا استمر هذا النهج، فقد نصحو يوماً على فتوى تحرّم التنفس خارج ولاية الجماعة.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد